المقرفصون
لا أذكر تحديداً من رأيت أولاً: الفتاة على الدراجة أم الرجل الممتد على الأرض. لا أظن الأمر مهماً في كلتا الحالتين، ولن يؤثر في أحداث وسياق هذه القصة. الشيء الوحيد الذي لا شك فيه هو أنني رأيت الفتاة على الدراجة حين مرّت بمحاذاتي، ورجل الأرض ذاك رأيته حين كان أمامي على بعد أمتار قليلة. كان رأسه والجزء العلوي من جسمه على الطريق بينما كانت ساقاه على الرصيف. كنت أمشي وأفكر في أشياء تخطر على بالي تحديداً في هذا اليوم ذاته من كل عام. أشياء لست فخوراً بها، كما سيخبرنا الشاب الأصلع بعد قليل، أشياء عن أمور بإمكاني القول – الآن تحديداً وأنا أحكي ما جرى – إنها تافهة، رغم أنها لم تكن كذلك حينها، ولن تكون كذلك بعد حين. أقصد، أشياء يخجل الشخص من التحدث عنها اليوم وفي هذه اللحظات بالذات، فيها حنين واغتراب وذكريات وانقشاعات وخرافات، وأتساءل مجدداً كيف يمكن للإنسان أن يصل إلى هذا الكم من الخيال والهرطقة والخزعبلات؟ لا أدري حقيقة، قد يكون هذا أعمق وصف لهذه الحالة، والدواء هو الخروج للمشي. حين وصلت الفتاة إلى رجل الأرض الممدود، خفّضت من سرعة دراجتها تدريجياً حتى توقفت بالقرب منه. كنا في حي الجامعات: