بقايا نص احترق





عليّ أن أكتب رزمًا من الورق، ثم حرقها، وتكرار الأمر خمسة وعشرين مرة. سمّيها ما شئت: مهمة تكسير السرد، أو مشروع لمحو اللغة العربية. صارت المسكينة جثة في كيس، ولسنا قادرين على أخذ قرار في الطريقة المُناسبة لدفنها.
ما مصير كاتب فقد متعة القراءة بلغته؟ ماذا لو كان هذا الكاتب متمسك بلغته؟ وهل من الضروري أن نجد معنى للكتابة كي نكتب؟ الشرخ في الفكرة يثير القلق.. والقلق منيّك. 
لدى حاولت افراغ الحكاية على الورق فامتلأ به وضعت فيه ثم قمت بحرقه. كم ورقة حرقت حتى الأن؟ 300! 400! 500! أخر رزمة حرقتها كانت حوالي مائة صفحة. العادة في حرق المسودات تحوّلت لادمان. لا أذكر من قال أن أعظم ما كتب في الأدب نصوص لم يطّلع عليها أحد، وأنّ أروع الحكايات لن تُنشر. آقال أحد ذلك حقا؟ كافكا كان يعرف ان صاحبه لن يحرق نصوصه، لو أرادَ حقًا حرقها لفعل الأمر بنفسه، لكنّه كان يعلم، وكتب الرسالة وهو يعلم. أضحك على حكايا النصوص الضائعة ومرثياتها. الكتابة ستندثر، واللهب هو الحقيقة المطلقة. 
لمّا أقرّر حرق الورق، أقطع السبيل حتى أصل للغابة. أنصب هناك خيمة، ولمّا تغرب الشمس، أضرم النار مستعينًا بورق كرّاس الجيب، ينتابني حينها مزيج من القلق والراحة والهيجان والخمود، هواء حارّ يُلهب أصابعي، وضحكة أعمل جاهدا على كبتها، لأنني لو أطلقتها سأخاف منها. يكثر اللُعاب في فمي وشيء ما يدغدغ صدري، أفكار تتداخل في رأسي وتتشابك، أرمي رزمة الورق في النار، وأعد العشاء عليها. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التاريخ السري: مقتطف من مقال طويل

موت محمد

معمّر مات