آن يكون اسمك "محمد"
محمد.. تخيّل هذا
الاسم بكامل المتاعب الذي يحملهُ على كاهل صاحبه. أعني، أتخيّل نفسي، بكل عقدي
تجاه الدين والنفاق الاجتماعي في بلد فيه ستة مليون نسمة، وبينهم مليون شخص اسمه
محمد، والظريف في الأمر أنّ كلّ من أتحدث إليه يحمدُ الله أننا نملك العديد من
المحمدين، ولكن من النادر أن تسمعُ أحد هؤلاء في الشارع مثلاً يتمّ مناداته بـ محمد..
ولا تسمع أيضًا اي حديث بينَ اثنين حول شخص ثالث ينادونه "محمد". دائمًا يسمّونه (أي محمد) بلقبه، وذلك لأنه عادة ما يكون هناك محمدين اثنين بين كل ثلاثة رجال في
جلسة، ولهذا أيضًا، لم أعتد أبدًا على اسمي هذا حينَ كنتُ في ليبيا، بل مذ كنتُ صغيرًا
كانوا ينادونني بلقبي، ولهذا لم أحسّ بهذهِ اللعنة حتى وصلتُ إلى بريطانيا
وأكتشفتُ لأول مرةٍ أنّني بالفعل أدعى محمد، وأنّني لستُ معتادًا عليه، ولا
يناسبني أيضًا، ولا يعبّر عنّي أبدًا. وفكرتُ كثيرًا في طريقة ما لإجتناب الوقوع
في فخّه كلّما تعرفتُ على فتاة جميلة في مرقص أو حانة: يسيرُ كلّ شيء على ما يرام
ليلتها بين الرقص والشرب وتبادل السجائر والحديث والنكات، حتى تأتي لحظة ذكري
لإسمي، ووقتها، يخطر في بال الحسناء صور محمد في صحيفة "ميترو" الصباحية، والذي
قام باغتصاب طفلة أو ضرب زوجته أو قتل اخته بدافع شرفه المغدور بينَ ساقيها، أو قد
يكون ذلك الـ محمد الذي وضعَ قنبلة في محطة الأنفاق وكادت تقتلها أو تقتل أحدًا من أفراد
عائلتها. وبالطبع لا تخبرك الحسناء عن الـ "محمد" في أخبار ميترو، بل تستمر في
الضحك واللعب معك لبعض الوقت قبيل تقديمك لشخص ما (قد تعرفَتْ عليهِ في ذات الليلة)،
واسمه "جيسون" أو "ديفيد" أو "شون"، وبالمصادفة ايضًا، في تلكَ اللحظة، سيصيران "بوي
فريند" و "غيرل فريند". فيعودُ محمد المسكين إلى فراشه مكسور الخاطر، ويفكر في أنّ
الوقت قد حان ليصير هو الأخر "جيسون" أو "ديفيد" أو "شون". وفي اليوم التالي، يذهبُ محمد
المسكين – ولا يزال حزينًا بسبب حسناء البارحة – إلى محل رسم الوشم ويفكّر برسم
وشم كبير على ذراعه وثقب احدى أذنيه، وذلكَ لكي يعطي الحسناء القادمة فرصة معرفة
أن هذا الـ محمد لن يكونَ في يوم من الأيام خبرًا للصفحة الأولى في صحيفة ميترو.
ولكن لأنّ مالهُ لا يكفي لرسم وشم على ذراعه، بالاضافة للخوف والرهبة النابعين من
تربيته وسط بيئة محافظة، فإنّهُ يكتفي برسم وشمٍ صغير على كتفه لـ سرطان قاتم
السواد، ثمّ يخرجُ بعد ذلكَ من المحل سعيدًا ومستعدٌ لليلة أخرى بين الحانات
والمراقص، سيخلعُ فيها قميصهُ بعدَ أن يسكر.. ويعرّف نفسهُ على البنات قائلاً:
“اسمي محمد.. وأبي يناديني جيسون وأمي تحب أن تدعوني بـ ديفيد وأصدقائي يسمونني
شون.
تعليقات