ابتسامة سُليمانْ
الملحمة الصفراوية
لهُ ضحكة مستفزة.. صفراء، قاتمة، ولا
تشعر الناظر اليها بالراحة، وكانت في يوم من الأيام كابوسًا يراودني، حتى
أقسمتُ بلكمهِ كي تتناثر أسنانهُ بين القبائل ويضطر لاخفاء تلكَ الابتسامة إلى الأبد. لهذهِ
الابتسامة أنواع، امّا المليئة بالأسنان، أو تلكَ التي يفتحُ فيها فمهُ ويرفعُ
رأسهُ إلى أعلى كأنه يسقي نفسهُ من ماء المطر، وفي كلا الحالتين، ترى هذه
الابتسامة الصفراء، بكامل استفزازيتها وعنجهيتها، مربكة أحيانًا، وتفقد الشخص
لاتزانه في حينٍ أخر.. تبًا، هنذا أراها أمامي متجلّية في أدقّ تفاصيلها، فأغلقتُ
صفحة الـ يوتيوب التي تعرض فيديو لهُ وهو يتحدّث عن موضوع سياسي ما. وحينَ التقيتُ
بهِ مرّة في بهو فندق فخم بالقاهرة، وكنتُ قد عاهدتُ نفسي أن لا أصافحه، رأيتهُ
يقترب منّي وهو يحملُ على وجهه الابتسامة الصفراء تلك، فنسيتُ عهدي لنفسي،
واضطررتُ لمصافحته، فقط، لكي أتأملَ ماليًا فيها. هذهِ الابتسامة المربكة حطمت
جيلاً كاملاً من المتصعلكين والروّاد.. دمّرت أناسًا وصعقت أخرين.. هذهِ الابتسامة
التي تنبعث منها كلّ الخفايا خلفها.. ابتسامة سُليمانية قضت على سربٍ من المحلّقين
في سماء الحرّية.. هذهِ الابتسامة التي ما أن رأها معمّر في بيته الصامد حتى اقتنع بالبقاء "حتى أخر قطرة دم"، وهي ذاتُ الابتسامة التي ما ان رأها الثوّار في شرق البلاد وغربها حتى وجدوا أنفسهم إلى حتفهم صاعدين. ابتسامة واحدة لثوانٍ بسيطة استطاعت أن تدمّر انسانًا في يوم من
الأيام.. هذهِ الدنيا لا تعرف العدل.. ولا راحةَ لكَ أيها المواطن الليبي في ظلّ
ابتسامة صفراء كتلكَ التي يمتلكها سليمان. وعندَ المغيب، وأنا أسيرُ رفقة فتاة
لطالما أدركت تلكَ الابتسامة الصفراء ورأتها، قلتُ لها أن تخبرهُ بما كان ينبغي عليّ قولهُ له..
"يا أخ سليمان.. أترك الابتسامة وشأنها".
![]() |
Edward Mullany, self-portrait with bright yellow to help stave off depression, 2011. مصدر الصورة: اضغط هنـــا |
تعليقات