الاستقالة والتقعميز في الحوش أشرفلك يا عبدالجليل

وهنا يطلّ علينا الشيخ مصطفى عبدالجليل بشحمهِ ولحمه ليضرب لنا مثلاً في القوانين التي الغاها المجلس الانتقالي (معتبرينها من العهد البائد)، وكانَ المثال عن قانون تعدّد الأزواج كأنّ القوانين الليبية في عهد القذافي خلت من المواد الاستبدادية إلاّ هذا القانون ليأتي في الأخر ويلغيه وهو في الاصل حماية لحقوق المرأة وضمان لها (ماتجوش تقولولي الدين الاسلامي اصنف المرأة ورحمة اميمتكم)، وبكل تفاهة ألقى عبدالجليل في خطابه عددًا من النقاط تثبت أنّهُ لم يكن جديرًا بالإمساك بملف ليبيا في مرحلتها الانتقالية. فكلنا بالطبع نعرف انّ السيد المستشار مصطفى عبد الجليل ليس سوى واجهة للمجلس الانتقالي، أو بالاصح، هو المتحدّث الرسمي للمجلس الانتقالي، وأنّهُ بالطبع لا يفقه لا في السياسة ولا في آداب الحديث الاعلامي، وكلمته في يوم اعلان تحرير ليبيا من حكم استبدادي لم تكن سوى اعلان عن بدء تاريخ جديد تحتَ حكم استبدادي أخر يأخذ مرجعياته الدستورية من نظام اجتماعي لفظ أنفاسه منذُ مئات السنين.
لقد كانَت كلمة عبدالجليل تلك هي الحدّ الفاصل لمعرفة توجّهات المجلس الانتقالي المستقبلية، وان كنّا سعداء لأنه سيعلن على الفور استقالته من رئاسة المجلس (ان صحّ القول أنّهُ رئيس المجلس الانتقالي) إلاّ أنّهُ خيّبَ أمالنا في ذلك، بل وأنّهُ قام بمسح حذائه على الألاف من دماء الشهداء في الجبهات، فهل الثورة التي كنّا نهلّل لها ونطمحُ لها هي الثورة التي تأتينا بحكم استبدادي أخر؟ هل قامت هذهِ الثورة – أي ثورة 17 فبراير من أجل حكم (الشريعة الاسلامية) في ليبيا؟ هذا ما أراهُ عندما يقولُ لنا أنّ أي قانون يخالف الشريعة الاسلامية هو في الاصل معطّل قانونيًا.
لقد بدأت ثورة 17 فبراير بشباب استيقظوا طالبين للحرية. شباب يحلمون بمستقبل أفضل بعيدًا عن الكساد القائم في عهد القذافي، وانتهت الثورة باعلان تحريرها ونحنُ لم نرى في المنصّة شاب واحد يتحدّث. رأينا ديناصورات ممّن ساهموا في ابقاء نظام القذافي طيلة 42 عامًا. رأينا عجائز يصحّ القول عنهم "عطسة ويموتوا" يصعدون المنصّة ويبجّلون عبدالجليل وسائر من أسموهم أبطال وهم ليسوا سوى متسلّقين على أكتاف الشباب الذي حاربوا الديكتاتور في الجبهات. أين الشباب اليوم يا عبدالجليل؟ أين هم دروع الثورة والذين أخرجوا القذافي من حفرته وقضوا بذلك على اثنين واربعين عامًا من الظلم والجهل الذي أنتَ ورفاقك على المنصة من العجائز البائسين ساهمتم في ابقائه طيلة هذهِ المدّة؟ هؤلاء الذينَ كانوا يهلّلون لمعمر واليوم في حفل التحرير رأيناهم وبطريقة عابرة (من كثر ما اعتادوا) يترحمون على أرواح الشهداء في ثوانٍ قليلة، ثمّ يستغرقون وقتًا طويل يمدحونك؟ إنّ كلمتك اليوم يا عبدالجليل لا تخصّ أهداف الثورة (الحرية والعدالة الاجتماعية) إنّها كلمة استبدادية أثبتّ فيها فشلك وخوفك وأنّكَ لستَ سوى لعبة متحرّكة... أهنتَ فيها المطالبون للحرية والتعددية الفكرية والمدنية ودولة المؤسسات، همّشتَ فيها كلّ اساسيات الديمقراطية ودعست بها على كرامة المرأة الليبية... الاستقالة والتقعميز في الحوش أشرفلك يا عبدالجليل.
تعليقات