العنصرية والنيك
تبدأ الحكاية من قصة نيك فتاة أمريكية. هكذا هي الحكايات الرائعة التي تشدّني من أول سطر وحتى أخر صفحة. في رواية قرأتها مرة ولم أعد أذكرها، تبدأ الحكاية من دخول البطل للنوم مع قحبة شقراء. فكرة القحبة ليست مثيرة رغمَ أنّها أساس الرواية التي تبلغ طولها ما يقارب الخمسمئة صفحة، ولكن فكرة أن ينيكَ البطل فتاة شقراء هي مغزى الفكرة بالنسبة لي. في الروايات، لا يكتبُ الكتّاب عن الفرق بين فرج فتاة شقراء وأخرى سوداء أو طحنية البشرة. كلّ الفروج بالنسبة لهم واحد. بل على العكس من ذلك، أظنّ أنّ هناك فرق كبير بين شيء فتاة شقراء من غيرها من النساء. أحبّ الفرج الوردي. لا يهمّني ان كانَ حليقًا أم لا. في كلتا الحالتين سيثيرني، سيجلعني أرتجف، أرتخي، ألتهب. ها!
في شقة جيمس، استلقيتُ على الكنبة بعدَ أن تأملتُ عوالم المكان. وضعتُ يدايَ على مؤخرة رأسي وتأملتُ السقف الأبيض وسألتهُ عن هواياتهِ وأحلامهِ في الحياة سوى أن يكونَ موظف دبلوماسي. قالَ لي: "بالطبع فنان أو مخرج أفلام وثائقية"، ثمّ جاءَ للجلوس على طرف الكنبة حاملاً في يداه علبتي بيرة ستيللا المصرية. "هل تعرف يا جيمس؟ انا لم أشرب البيرة في حياتي، فقط "بيكس" الشعيرية، قبلَ تعرفي بك، كنتُ أحتسي البوخة مع وائل ونحاول اقناع أنفسنا بأنّها فودكا روسية محترمة كالتي نشاهدها في الاعلانات". رفعَ جيمس رأسهُ ضاحكًا ودفعَ ساقاي لكي يجلسَ على الكنبة.
"قل لي يا جيمس؟ هل يختلف نيك الشقراوات عن نيك السوداوات أو العربيات؟" سألتهُ بعدَ اعتدلتُ في جلستي.
"بالطبع يختلف.. لا أحب الوايت بوسي، أحب الـ بلاك وان"
"ومالفرق بينَ البوسيين؟" طبعًا شكلي وقتها كانَ عبيطًا جدًا.
"لا أدري، لكن مضاجعة السوداوات يثيرني ويجعل الثينغي بين ساقيّ يركبُ بسرعة وكأنّني ابتلعتُ حبّة فياغرا".
"أوه، أنا فكرة مضاجعة الشقراوات يجعلني أفقد السيطرة على زبّي" صورة البوسي الوردي تخطرُ في بالي وبشدّة هذهِ المرة.
"يعني أنّكَ مهووس بالشقراوات. هناكَ فتيات يفضلن شبّان سود، وهناكَ شبّان سود يفضلون الوايت غيرلز".
"ألا تعتقدُ أنّ السياسة تلعبُ جزءًا كبير في ذلك؟"
"ها؟"
"بمعنى أنّ العنصرية والاستعمار تلعبان جزءًا كبير في ذلك، أي أنّني أحبّ الفتاة الشقراء، ربما لأنّها أقوى منّي باعتبارها بيضاء، وأنّ حالة الركوب فوقها بمثابة أنّني نكتُ أروبا بأسرها، أمّا أنت، فإنّكَ تعاني من حالة استعمارية، وبما أنّ أمريكا تعشق استعمار الدول الفقيرة والنامية فإنّكَ تهوى نيك فتيات هذهِ الدول".
"مو، أظنكَ تبالغ في طرح فكرتكَ هذهِ... هناكَ ألاف الوايت بويز على علاقة مع وايت غيرلز والعكس".
"هذا لأنّهم جزء من اللعبة السياسية. الشاب الافريقي الأسود يركب فوقَ أروبا وأمريكا المستعمرة عندما يركبُ فوقَ فتاة بيضاء وينيكها من بوسها الزهري".
"لكنّكَ بذلكَ تهين حركات التحرر في العالم، وأنتَ بذلك تقول أنّ العنصرية داخل الانسان بالفطرة وهكذا حطمتَ عشرات موافقات السلام ومكافحة العنصرية في العالم، وشباب ضيّعوا شبابهم وأعمارهم من أجل تحقيق فكرة المساواة"
"أنا لم اقل ذلكَ بالمرة يا جيمس، لا تسيء فهمي أرجوك، ما أحاول قولهُ أنّ هناكَ تاريخ يتحكم بنا وبعقولنا حتى لو تجاهلنا ذلك. ان حاولتَ معرفة امتداد تاريخ العنصرية في الأرض، لوجدتَ ذلكَ أمرًا صعبًا، ولكن بامكاننا معرفة أول حركة مناهضة للعنصرية على وجه الأرض. ان هؤلاء الذينَ ينامون مع نساء سوداوت وهم في الأصل بيض، وهؤلاء السود الذين ينامون مع نساء بيض هم يحاولون أن يتحدّوا العنصرية، ولكن التاريخ والدمّ لا يرحم. في عقولنا مثلاً كليبيين، الايطاليين ناكوا الليبيين نيكًا شديدًا حتى بدأ شبابنا اليوم بنيك النساء الايطاليات بشغف فقط من أجل فكرة التاريخ. كذلك في أمريكا وكذلك في كل دولة كانت تميّز بين البيض والسود".
استمرَ الحوار حولَ هذا الموضوع لما يقارب الساعة، تناولنا فيها البيرة وبضع كؤوس من الويسكي والبيبسي. حافظَ كلينا على هدوءه، شرحَ لي جيمس مقاربته السياسية بينما كنتُ أعدّ قنينة بلاستيكية ممتلئة حتى ربعها بالماء، وحكيتُ لهُ حولَ تجاهي اللا مبرر لهذهِ الفكرة السياجنسية بينما أحكمتُ غلقَ القنينةالمثقوبة من أعلاها وموضوعة عليها انبوب ضيق في عليتهِ اسطوانة صغيرة. اختلفنا مرةً أخرى حولَ وجهة نظري واختلطَ كلامنا بينماَ كانَ هو يقطعُ الحشيش لحبيبات صغيرة. مدّ لي واحدة وهو يختمُ الحوار. وضعتُ حبّة الحشيش على فوهة الاسطوانة، ضغطتُ على قنينة الماء فأرتفعَ الماء، بينما أشعلَ جيمس ولاعته وحرقَ بها قطعة الحشيش على فوهة الاسطوانة. انطلقَ دخان خفيف، فتركتُ القنينة رويدًا رويدًا من بين يدي، فأنسحب دخان الحشيش داخل القنينة حتى امتلأت كلها بدخان العشب المخدّر.
"صدقني يا جيمس، ستكتشفُ بعدَ زمن من مضاجعتك للسمراوات أنّكَ تنيكهن لأسبابٍ سياسية بحثة"، قلتُ ذلكَ وأنا أفتحُ غطاء القنينة البلاستيكية ومن ثمّ وضعتُ فمي على فوهتها وسحبتُ الدخان حتى شعرتُ بالماء يلمسُ فمي. استلقيتُ على الكنبة وأغمضتُ عيناي لما يقارب الثلاثين ثانية، ثمّ تركتُ الدخان يتسرب خارج جسدي.
***
الساعة 4:42 صباحًا:
كنّا نائمين. أنا نائمٌ على الأرض وجيمس على الكنبة، حينَ فتحتُ عينايَ على صوت قرع جرس الشقة. وقفتُ بتثاقل ولأأندلفتُ ناحية الباب وفتحتهُ. كانتا دايانا وسمانثا. صاحتا لحظة رآتاني فتعانقنا وتبادلنا القبلات على الخدود (كنتُ أستمتعُ بتقبيل النساء على الخدود لأنني لم أعتد على ذلك قط)، ثمّ دعوتهما للدخول إلى الصالون. أيقظتُ جيمس فأعتدلَ في جلسته، قبلتهُ دايانا على شفتيه وجلست بالقرب منه. سحبتُ كرسيين ووضعتهما في مواجهة الكنبة. جلست سمانثا وجلستُ بدوري بالقرب منها وتبادلنا الكلام حول الحياة والأحوال والحرّ وغيرها من الأمور السطحية التي يهوى البشر بدأ كلامهم بها. حينَ فاقَ جيمس إلى وعيه، تسمّر في مكانهِ ورأى إلى الساعة ثمّ نظرَ مرةً أخرى تجاهَ صديقته ثمّ إلى سمانثا، وسألهما عن جرأتهما في القدوم من وسط البلاد إلى حي الأندلس في هذا الوقت المبكر من الصباح. هزّت كلتا الفتاتان كتفيهما غير مباليتان، فضحكتُ وأنا أقفُ لإعداد بعض الشاي قائلاً أنّ الليبيين أجبنُ من أن يتجرأوا على لمس فتاة أوروبية. انهم يخافون من ظلهم، قلتُ ذلكَ وأنا أنصرفُ إلى المطبخ.
"أو ربما لا يشعر الليبييون بتاريخ العنصرية مع الأجانب، هاهاها". ضحكتُ وكنتُ أعرفُ أنّهُ بشكلٍ أو بأخر سيقومُ بفتحِ هذا الموضوع أمامَ الفتاتان. "هل تعرفي يا دايانا، محمد يعتقدُ أنّ علاقة البيض بالسود والزواج من بعضهما البعض هو ليسَ استئصالاً للحرية بقدر ما هو محاولة للهرب من العنصرية، هذا من طرف حفيد العنصريين، ولكن المضطهدون فإنّهم يحبون اقامة علاقة مع أناس من جنس مضطهدهم كنوع من التعذيب أو الركوب كما يحلي أن يسميه" ثمّ بدأ بشرح الفكرة، رغمَ أنّهُ بطريقة أمريكية ما، زادَها تعقيدًا. حاولتُ تجنّب افتعالَ الموضوع مجددًا، كنتُ بشكلٍ ما قد بدأتُ أشعرُ بصداعٍ رهيب وأنّني أحتاجُ لبعض الشاي ثمّ الخلودُ إلى النوم. أعددتُ الشاي ووضعتُ البكرج والكؤوس على سفرة ألمونيوم وأتجهتُ إلى الغرفة. احتسينا الشاي وقد كانَ ثلاثتهم يتحدثون حول فكرتي. سمانثا كانت في صفي رغمَ أنّ حجتها كانت أضعف مقارنة مع حجج جيمس ودايانا. يبدو أنّ نوعها من الأمريكيات اللواتي أراهن في أفلام وولت ديزني. الفتاة المعدومة الثقافة والجاهلة ولكنها تصرّ على أفكار حبيبها فقط لتثبتَ لهُ أنّهما مناسبان لبعضهما البعض. وضعت سمانثا يدها على زندي عندما كنتُ أشعلُ سيجارة "ها! كما توقعت تمامًا"، ظلّت تداعب ذراعي فترةً وهي مستغرقة في التحدّث مع جيمس ودايانا. كلّما تفوهت بحجّة قامَ جيمس أو دايانا بالردّ عليها بحجّة تعقّد المسألة. إنّها الأن تناقشُ موضوع باراك أوباما. لماذا باتَ الموضوع جدّيًا لهذهِ الدرجة؟ يا إلهي، الشيء الوحيد الذي اكتشفتُ أنّهُ يميّز الليبييون أنّهم لا يعبئون بالسياسة. هم كما يصفهم وائل: "كائنات الكترونية تتحكم بها شفرة رقمية يكتب رموزها الأخ الأكبر".
"ما رأيكَ يا محمد؟" سألتني سمانثا، بدأ لي الأمر برمتهِ غريبًا. أظنّ بأنّ الصداع يؤثر في الأن. أرفعُ رأسي وأنظرُ إلى الحاضرين. "سمانثا" قلت "أظنُ بأنّني بتّ أقتنعُ برأي جيمس. أنتِ مخطئة يا سمانثا... أنتِ بذلكَ تهينين حركات التحرر في العالم، وأنتِ بذلك تقولين أنّ العنصرية داخل الانسان بالفطرة وهكذا حطمتَ عشرات موافقات السلام ومكافحة العنصرية في العالم، وشباب ضيّعوا شبابهم وأعمارهم من أجل تحقيق فكرة المساواة... هذا عيب يا سمانثا... يو شود فيل اشيمد".
-------------------------
فصل من رواية قيد الكتابة.
تعليقات