أرشيف

الاثنين، 29 أغسطس 2011

وانتصرت الثورة على قائد الثورة


وأنتصرت الثورة على قائد الثورة.. وكما قال الصايع: القذافي هرب يلعن دين أمكم، وبالطبع، صفقنا جميعًا، هللنا. القبلاوي قفزَ عاليًا من الفرحة ورضا عانق توتو القط، ومن دهشة القطّوس الصغير وهو يرى هذا المشهد السوريالي الذي لم يرهُ طيلة شهرين (وهو حاصل حياته) رأيناهُ يقفزُ معنا معتقدًا أنّنا نلاعبه. مسكتُ توتو من عنقه ورفعتهُ للأعلى، أدركَ توتو المسكين أنّ هذهِ ليست لعبة، وأنّهُ في أجواء لا تخصّهُ، ولذلك اقتنصَ أول فرصة وانخلعَ راكضًا تحتَ سرير القبلاوي، مرتعشًا، يسبّ ويشتم القذافي لأنّ هزيمتهُ كانت سبب تعرضه لخطر أوشكَ أن يحرمهُ السنوات القليلة المتبقية من حياته.

في اليوم التالي من هروب القذافي، تأكدَ لنا أنّ الإثنين وأربعين سنة الأخيرة من تاريخ الشعب الليبي السياسي لم تكن سوى محاولة انقلاب فاشلة، فالليبييون يستعيدون كلّ شيء قضيَ عليهِ القذافي منذُ توليه السلطة في 1969. العلم الوطنطني والنشيد الوطنطني وحتى أسماء الشوارع والجامعات والميادين الوطنطنية. اثنان وأربعون عامًا، وهي حاصل جيلين كانت مجرد محاولة انقلاب فاشلة. الليبييون باتوا يستعيدون هويتهم الوطنطنية المطموسة. يسبّون هذا ويشتمون ذاك، ويتلذذون بسبّ "توفا" رئيس المجلس الانتقالي ليسَ لأنّ في الرجل عيب لا سمحَ الله، بل لأنّ سب رئيس الحكومة على العلن شيء عظيم وجديد على الشعب الليبي المتعطش لسبّ السلطة.. "يا عندين مصطفى عيونه صغار وراسه كبير" هكذا سبّ أحد العطشى رئيس المجلس الانتقالي "وهل هذا يعيبه في شيء في منصبه؟" سألتُ ذاكَ العطشان، فقال لي: "طبعا... نحن نريد رئيس المجلس أن يكون ذو عينين واسعتين وأنف كبير يتماشى مع الهوية الليبية"، وسألتهُ وقتها عن ما هية الهوية الليبية، فقالَ لي: "كلّ ما هو باطل يا ليبي".

أنا الأن في الحافلة المتجهة إلى مدينة مانشستر المقدّسة، والأن، الحافلة تمرّ على السفارة الليبية في لندن، وقد رأيتُ من النافذة علم الاستقلال، ولا أدري كيف شعرتُ أنّني أنوي الصراخ كما في أيام الثورة المجيدة "يرفرف بونجمة وهلال / دفعنا فيه دم رجال". وما ان انتهيتُ من كتابة الجملة السابقة، رفعتُ رأسي ورأيتُ نفسي في الحافلة مقابل لشارع العرب "ادجور رود" وأدركتُ وأنا أرى النساء المنتقبات والرجال بالعمائم واللحي أنّني تملّصتُ من هويتي العربية وأنسحبتُ بجدارة إلى المدنية الليبية المرادف لها "الطلينة" أي "متطلين" أي "متعلّق بالثقافة الليبية/الايطالية"، ولا أخفيكم سرًا أنّ المنظر من النافذة فظيع، فهناك الفتيات الأندلسيات يميشين نصف عاريات، ولكنني أبغضتُ النظر، ليسَ لأنّنا في شهر رمضان والدنيا صيام ورائحة الأفواهُ تقشعر الأبدان، بل لأنّهن كانوا "آندر ايج" أي تحتَ السنّ القانونية للمضاجعة التخيلية، ولذلكَ صليتُ ركعتين بالعينين إلى العزيز القهار، وألتفتّ إلى أصابعي التي كانت تتلو عليكم الكلمات وأستمرّيتُ في الكتابة حتى اذا أدركتُ على حين غفلة أنّ ما فيش شفشوفة تاني، مافيش كحيلات تاني، مافيش عبدالسلامات تاني، مافيش براعم وسواعد الفاتح العظيم تاني.. وأدركتُ على مضض أنّ الصراع لم تنتهي وأنّ في وطنطني العزيز يموت الناس كلّ يوم وأنّ شمومة قد وضعَ عينهِ على العاهرة قناتنا الوطنطنية، وأنّ دم الشهداء، مايمشيش هباء.

هناك تعليق واحد: