كارمن وموسوعة كامبريدج واللصوص القدامى



كارمن وموسوعة كامبريدج واللصوص القدامى

الأن، وضعية دراسة تقليدية. مربّعًا قدماي. جالسٌ على الأرض. اللاب توب أمامي، وكتبي ورائي. كارمن مستلقية على السرير تتابع فيلمًا. تتمرّغُ فوقَ السرير. أراها من زاوية عيني. إنّها على الأرجح تشاهد مشهدًا ساخنًا. إنّها تتلوّى مثلَ أفعى. ترفعُ كأسَ النبيذ من أرض الغرفة. تحتسي القليلَ منه ومن ثمّ تشعلُ سيجارة أخرى. بإمكاني الأن أن ألمحَ نهدها مختبئًا تحتَ ستيانها. بإمكاني أن أسمعَ مشروع ليلى وهم يغنون عن الباذنجان. موسوعة كامبريدج للغات لم تدخل عقلي بعد. أحتاجُ لدراستها. امتحاني غدًا السبت. صباح الغد سأستيقظُ مثلما أستيقظُ في أي صباح. عندَ الساعة السادسة أفتحُ عيناي. ستكونُ كارمن نائمةً بجانبي. سأحسبها للحظات عشيقتي القديمة. حينَ أشعرُ بأنّ كلّ ما حدثَ كانَ مجرّد حلم: كأن وقعت من طائرة أو عدتُ بشكل عشوائي لطرابلس، سأضعُ قدمايَ على الأرض. أجدُ نفسي عاريًا. بعدَ الدوش، سأرتدي ملابسي، وسأتذكرُ على حين غفلةٍ أنّني لا أشتغلُ اليوم. سأصفعُ نفسي مجددًا وأربّع قدمايَ للدراسة.

Nervous. Feeling bad my dear.

كان والدي يقولُ لي: "أسيادك الذين يجيدون تربيع الركاب للدراسة"... أتذكرُ الأن، الأن تحديدًا أنّني أهوى كتابة نصّ أدبي في اليوم الذي يسبق أي امتحان. في فترة الامتحانات الإعدادية والثانوية، كدتُ أن أنهي مجموعات قصصية عدّة. إنّني لا ألومُ والدي وهو يضربني فلقة لأنّني لم أحفظ دروسي أو رسبت في الامتحان أو أنّ علاماتي لم تكن كما يجب أن تكون. كلمّا أتت الفلقة، تذكرتُ أنّني كتبتُ نصًا يستحق النشر. لكن كلّ النصوص التي من أجلها تعرضت لـ "فلقة املحة امشلحة" لم تنشر بعد، وبعضها ضاع، وبعضها ضحكتُ عليهِ بعدَ فترة من الزمن.

Lets sing together something like Lady Gaga’s Bad Romance. Seeing Gaga’s body shaking. Oh dear. She’s really hot.. Believe me: If you don’t watch lady Gaga, then ask gods for forgiveness

أفكّرُ في ذلكَ وأنا أسمعُ تآوهات تصدر من السمّاعات التي تضعها كارمن على أذنيها. قلتُ لكم أنّها تشاهدُ مشهدًا ساخنًا. أتمنّى أن لا يركبَ الذهن إلى ذروتها وتأخذني برفقتها إلى الفراش. عليّ أن أدرسَ الأن، عندي هذا المجلد الضخم لموسوعة كامبريدج للغات، والذي عليّ أن أعيدَ مراجعة فصليه الأول والثاني مرة واثنان وثلاثة... من لحظةٍ إلى أخرى أفتحُ حسابي في تويتر. أضربُ كلمتين خفيفتين وأخرج.. أعودُ بعدَ دقائق وأتابعُ الردود. معدتي خاوية. عليّ أن أقلي بعض البيض بالفقّاع والطماطم. عليّ أن أمارسَ تلكَ الهواية الغبية التي مارسها أحد أبطال قصصي الغبية. عليّ أن أقلي البيض، لكن لن أقلي البيض في الصباح مثله. لا أجيدُ القليَ في الصباح. سندويتش بالجبنة والطماطم ماشي حاله في الصباح، في المساء أقلي البيض أو أصنعُ لنفسي امبكبكة. لا وقتَ لشي: لا وقتَ لـ كارمن ولا وقتَ للعشاء ولا وقتَ لإكمال صنعِ الطائرة الصغيرة التي أشتغلُ عليها منذُ أيام. لا وقتَ لإنهاء عدّة كتب مبعثرة في غرفتي... حتى أنّني أودّ الانتهاء من قراءة "الغريب" لألبيرت كامو. إنّني الأن تحديدًا في الصفحة مائة من أصل مائة وسبعة عشر صفحة. أريدُ اكمالها وأعرف مالذي سيحصل لهذا المجنون الذي ارتكبَ جريمة. قتلَ عربي على شاطئ البحر. إنّني أرى العرب في هذهِ الرواية كما كنتُ أرى الروسيون في الروايات الأمريكية. غجر غريبو الأطوار!

أفكّرُ كثيرًا بكلِ شي. أفكّر بـ آلن غينسبرغ، وفي نصوص كتبتها ولم أزل غير قادر على نشرها أو اظهارها للأصدقاء. أفكّر بـ روبيرتو بولانيو وواقعيته السحرية، والمخبرون المتوحشون وآمالفي وبومبي وبركان جبل فسوفيو. أفكّر في العمل وأمسية أعدّها لكاتبة نيجيرية يومَ الثلاثاء. أفكّر في الشمقمق وعنترياته.

أفكّرُ أيضًا في صحافتنا المقموعة، وجهل الصحفيين المطالبين برفعِ جرعة الديكتاتورية عبرَ صحيفة أويا التي تمّ القضاء عليها بواسطة رئيس وزراء لم يتوقف يومًا عن مصّ زب السلطان. أفكّر في ذاكَ الأحمق الذي يطالبُ بعودة ليبيا إلى فترة الثمانينات. فترة الدمار والخراب الذي عاناهُ الناس، بينما كانَ هو وأزلامه وقائده يعيشون بفضل ثورة البلاد.

أفكّرُ في شعب لا يريدُ الحياة. شعبُ اعتاد على تلقي الضربات على مؤخرتهِ دونَ أن يحرّكَ ساكنًا: "أو لعلّ هذهِ الضربات هي حلاوة النيك".

Who let themselves be fucked in the ass by sainly motorcyclist, and scream with joy.

حسنًا، حسنًا، أحتاجُ الأن لأغمضَ عينايَ قليلاً. سأشعلُ سيجارة الأن. سأنفث دخانها بعيدًا، ثمّ سأعودُ للدراسة.. لا وقتَ للقلق!

I don’t give a shit!


------------------------

الصورة عن موقع سياحي ليبي (اضغط الصورة)، فتية في الحارة القديمة بـ طرابلس

تعليقات

‏قال عابد
ملح الشطح ال .. وبهارات سياسة .. اصبحت تكاد تكون علامة فارقة في سرديات اخي محمد .. اكتب كيفما تكتب .. رائع

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التاريخ السري: مقتطف من مقال طويل

أحلام ومؤخرة الحمار

معمّر مات