المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس, ٢٠١٠

حكاية ليبيـــة

صورة
الهواء قذر في هذا البلد.. بلاد الكذب والقلّوب وجيلاطي السعادة.. أنفاسُها مسمومة، فاجرة، كأنفاس قحبة هلكها الزمن ودخان السجائر وشمّ النفّة. مزّق ثيابكَ أيها الكائن الأسطوري الحزين المنكب على نفسهُ، المرتمي بينَ البحر والصحراء، الملتفّ حولَ عيون الخائفين والجبناء، المحاصر بسلاسل الذنب والحقد... مزّق ثيابكَ أيها الليبي اللعين المرمي في مزابل غوط الشعّال وأكواخ طريق الشط، بينَ الإيفيكوات المعطّلة ومروكيات شارع الرشيد وقبور سيدي منذر. عيش ليلة الخميس فاتحًا رحلتك، وقم لصلاة الفجر طاهرًا يومَ جمعة! وهلّل، هلّل يا صديقي هلّل لذلكَ الذي علّقت صورتهُ على حيطان المدينة محصورًا بمقولاتهِ القوم-أفريقية ونظاراته البرجوازية.. أنظر لنفسكَ في المرآة أيها الكائن الأسطوري، وكن ولو لمرةٍ واحدة في حياتكَ البائسة، صريحًا وواثقًا وأبصق في ذاكَ الوجه، وكن في نهاية الأمر صاحبَ روح رياضية، وقل مبتسمًا (مقولتكَ السخيفة): "أنا ليبي وأفتخر"، ثمّ أبصق مرةً أخرى في ذاكَ الوجه وأبتسم وقل: "لو ما كنتش ليبي راهو فاتني الجو كله"... قلها وأبتسم وابصق في وجه الكائن الأسطوري، ومن ثمّ استيقظ

جيمس جويس 2

صورة
جيمس ونورا بعدَ عودته من باريس إلى دبلن وتركهِ لبيت أباه والاقامة وحيدًا في غرفة صغيرة بقلب المدينة، اختار جيمس جويس أن يعيشَ بوهيميتهُ بينَ القراءة والغناء. كانَ يغنّي في عطلات الأسبوع على خشبة مسرح محلّي يجتمعُ فيهِ السكارى والبائسون. قضى جيمس عامًا كاملاً وهو على هذهِ الحالة. لم يكتب أي نص أدبي على الاطلاق في ذاكَ العام، بل كانَ همّهُ أن يجمعَ بعض النقود التي يمكن أن تساعدهُ على قضاء حاجياتهِ البسيطة. كانَ وقتها يدخّن ويشرب بشراهة، كانَ يشعرُ بالقرف من حياتهِ الإجبارية في ظلام المدينة التي أنكرته، ولم يكن قد فكّرَ في اقامة أي علاقة مع فتاة ما، كانَ محتفظًا بعذريتهِ ويخاف التحدّثَ إلى النساء، وعدم ثقتهِ في ذاتهِ كانت واضحة وقتها... كانت شخصيتهِ مهتزّة ومتوترة وقلقة. أحيانًا، كانَ يلتقي بأخته وسط دبلن، وكانت تترجاهُ العودة إلى بيتِ العائلة، لكنّهُ كانَ مصرًّا على رفض هذا الطلب، وظلّ طيلة الوقت يتحجّج بأنّ حياتهُ وحيدًا أسعد وأسهل من الإقامة برفقة اخوته العشرة في بيتٍ واحد. كانَ يكذبُ على نفسهِ وقتها، كانَ يحاول الابتسام والضحك أمامَ عائلتهِ كلّما التقى بهم ليظهر أنّ حياتهُ وحيدًا

جيمس جويس

صورة
الأعمى حاد المزاج، ومجتمعٌ يهوى قطع الأعناق الخائف منذُ أن قرأتُ "صورة الفنان في شبابهِ" ذاتَ صباح يومِ جمعة شتاء العام الماضي، سيطرَ الروائي الإيرلندي جيمس جويس على عقلي وبدأتُ أطاردهُ (بدأ يطاردني) في كلّ لحظة أكتبُ فيها أو أمسكُ فيها بكتاب ما لقرأته. كانَ صباحًا عاديًا، مملاً، أفكّرُ فيه بالقيام بشيءٍ ما ممتعٌ في عطلة نهاية الأسبوع، كالمشي أو الخروج برفقة الأصدقاء أو الذهاب إلى السينما، وفي خضم تفكيري ومللي والكآبة التي بدأت تجتاحُ نفسي، مسكتُ بروايتهِ التي اشتريتها من محل للكتب المستعملة وبدأتُ قراءة أولى صفحات الرواية. لقد شدتني "صورة الفنان في شبابهِ" منذُ أولى صفحاتها، ووجدتُ نفسي قد أضعتُ يومَ الجمعة ويوم السبت وصباحَ يوم الأحد في قراءتها، وحينَ انتهيتُ منها، وخرجتُ من عوالمها المتقلّبة، وجدتُ نفسي أمامَ أحد عمالقة الأدب الكلاسيكي المعاصر، ووجدتُ نفسي أقضي ما تبقى من يوم الأحد متقلّبًا بينَ صفحات الانترنت بحثًا عن تفاصيل حياة هذا الكاتب الذي أرهقَ نفسهُ والقرّاء بمغامراتهِ الروائية التجريبية. كدتُ أصابُ بالجنون وأنا أقرأ روايات جيمس جويس ومج

عن المدارس الدينية

صورة
لطالما درسنا الدين والعلم في صفّ واحد. الدين على الكفّ اليمنى والعلم على الكفّ اليسرى، ونرى المعلمة تحاولُ بكلّ ما تملكُ من طاقة (دينية) أن تصنعَ مقاربة بينَ الدين والعلم بالاستدلال بآياتٍ ربما لا علاقة لها بالنص العلمي، ولكن ما أن نسمعَ أيةً قرآنية أو حديث محمّدي، حتى نشعر بأنّ الله قالَ هذا الكلام قبل العلم (لا حاجة لفهم منطلق الأية طبعًا)، وهكذا كبرنا على هذا الأساس العلمي الديني، والذي خلقَ العديد من الفراغات والثقوب في رؤوسنا دونَ دراية. كنّأ نرى بين كلّ صفحة وأخرى في كتب العلوم والأحياء آية قرآنية غرضها شرح نظرية علمية ما أو اثباتها بالقول الإلهي، والمضحك في الأمر أنّ لي الكثير من الأصدقاء الدارسين لمواد علمية في المدارس والجامعات الأوروبية والأمريكية، وموادهم ملحقة بمناهج حولَ نظرية النشوء والارتقاء وتتمّ مناقشتها ودراستها في محاضراتهم، لا يزالون كافرين بها رغمَ أنّهم يسقطون في كلّ مناقشة، وذلكَ ايمانًا عميقًا منهم أنّ هؤلاء الأساتذة والمحاضرين وحتى تشارلز داروين نفسه لم يكونوا مسلمين، ولهذا فإنّهم لا يعرفون القرآن ولا يمكنهم فهم الحياة سوى من نظرية النشوء والارتقاء. ركزَ ال

الملحمـــــة

صورة
أحبــــك... بإضافة الملح، التفاحة، الأرجوحة، النار، اللحية، السرير ذو الوسادة الحريرية، العنبر، شجرة الزيتون الجاف، عودُ ثقاب، سيجارة نصف مشتعلة، طرق على حيطانها تقف فتيات / عجائز ليل، قناديل كانت مشتعلة في المدينة القديمة. سوق الحوت والصيادين المتقاعدين، المحاربين القدامى، الراشي والمرتشي، بائعات الوشق والبخور، تاجر المخدّرات المتفائل بحياةٍ أجمل ونقية، عجوزٌ يضعُ على كتفه راديو عتيق، عاشقان يجلسان في سيارة أجرة، سارق يبيع بضاعتهُ علنًا، رجال الشرطة يشترون الحشيش، سيارات شرطة الآداب يلتفون حولَ الأزقة ليمنعوا العشّاق من أداء فرائض عشقهم، جرائدَ الأمس صارت أرصفة اليوم. صور ديكتاتور تملأ الجانب الأيمن من الشارع، وكلماتهُ الالهية تملأ الجانب الأيسر. عجوزٌ أخر يبتسم بفجور سعادةً بأسنانهُ الصناعية الجديدة، شاعرٌ يمشي خطوتين ويلتفت قليلاً للخلف طمعًأ في رؤية فتاةٌ تلحقهُ ليوقعَ لها على ديوانهِ اليتيم، رسامٌ ملأ جيوبهُ برسوماتٍ ولوحاتٍ خوفًا من أن يكونَ موضع سخرية أمام رفاقهِ الصيّع. زمامير سيارات، قراقير الأركيلة، غبار الطرقات، نشرات الأخبار، موسيقى المرسكاوي، الريغي الليبي،