منابت الحنظل والشيء الذي ينأى


قراءات صيفيـــــــة


التفاصيل الصغيرة التي تصنعُ الأبطال

منابت الحنظل والشيء الذي ينأى / عمر أبو القاسم الككلي / مجلس الثقافة 2006/ 9959380769

يمكن وصف قصص الكاتب عمر الككلي على أنّها من الأعمال التي تعبّر عن أسلوب جيل السبعينات في الكتابة القصصية: ذاكَ الأسلوب المتأثر بأسلوب كتابات جيل الروّاد، بإضافة قصص أكثرَ عمقًا وتحمل الكثير من الأسئلة دونَ الحاجة لتقديم اجاباتٍ لها.

وكتابات عمر الككلي تحملُ نفسًا فلسفيا ونفسيًا، فنجدهُ يحاولُ في كلٍ قصة من قصصهِ الكثيرة المنشورة في الصحف والمواقع الإلكترونية، نراهُ يحاولُ فيها تحليل الشخصيات والدخول في عوالمها وهواجسها. يحاولُ الكاتب الوصول إلى نقاط مهمة وتفاصيل صغيرة للتعرّف على الشخصية من أبعاد دقيقة جدًا، وهذا ما أستنتجتهُ فورَ انتهائي من قراءة مجموعته القصصية الثانية "منابت الحنظل والشيء الذي ينأى"، الصادرة في العام 2006 عن منشورات مجلس الثقافة. هذا التعمّق الديستويفسكي الذي تُطرح من خلالهِ قضايا شائكة رغمَ أنّها صغيرة وفي جوّات اللاوعي الإنساني، كما في قصّة "أثناء شرب الشاي".

افتتاحية المجموعة كانت بقصة "أثناء شرب الشاي"، والتي فيها الفنتازيا تتغلّب على الفقرة الأولى، بينما في الفقرة الثانية، نجد أنّ الواقعية قد قضت على الفنتازيا رغمَ وجودِ قاسم مشترك الا وهو ذاتَ النهاية في كلا الحالتين.

أمّا في قصّة "أكواب الماء وقطع الخبز"، فنجدُ أنّ الكاتب يحاولُ التركيز على الحدث بأسلوب فلسفي شيّق مكتوب بطريقة أشبهَ بجعلهِ حلمًا اوحقيقة متخيّلة! حيثُ الحركة البطيئة والوصف المنفصل والحوارات المتغلغلة في سياق الحدث.

وفي "صورة سالبة"، لا نقرأ في القصة سوى الوصف للشارع والجدران والستار وضحكات الناس، هذهِ التفاصيل التي (يبدو أنّها ترهق خيال الكاتب)، نراها هنا تعبّر عن سردٍ ما لأمكنة تراود ذهنَ الكاتب، ومنها يستطيع القارئ تخيّلها.

الشيء المثير في الكتاب هو أنّهُ منقسم لقسمين. هناكَ قسم "منابت الحنظل"، والذي يعتبرُ قصصًا جديدةً هي الأحدث لكاتبها، ومن ثمّ القسم الثاني "الشيء الذي ينأى"، وهي قصص كتبها الككلي في حقبة السبعينات، أي قبلَ دخولهِ للسجن. والقارئ البحث في القسمين أو المجموعتين، سيستمتع بلعبة الكشف عن تغيّر أسلوب الكاتب في مدّة الثلاثين سنة. سيرى كيف كانَ أسلوب كتابة القصة في فترة شبابهِ، ثمّ كيفَ بدأ يكتب القصّة في فترة رجولته. في القسم الأول نرى الكثير من الأزواج والأبناء، وفي القسم الثاني نرى الكثير من الأصدقاء والشباب.. وغيرها الكثير.

"منابت الحنظل والشيء الذي ينأى" مجموعة جميلة استمتعتُ مؤخرًا بقراءتها. قصص قصيرة بأسلوب بسيط وعمق وتساؤلات. والأكثر من ذلك، أنّها ممتعة في اجازتي الصيفية، ممتعة في الحرّ والنزهات والمواصلات، وتستحق القراءة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التاريخ السري: مقتطف من مقال طويل

أحلام ومؤخرة الحمار

معمّر مات