فصل من روايــــة
حينَ كنتُ طفلاً... في التاسعة من عمري، كنتُ عائدًا إلى البيت في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل. وبينما كنتُ أقطعُ وسعاية بلخير للوصول إلى شارع عمر المختار حيثُ أسكن، رأيتُ رجلاً جالسًا على صخرةٍ كبيرة وبالقرب منهُ قنينة ماء. ناداني فأتجهتُ نحوه. كانَ رجلاً اربعينيًا على ما أذكره. بامكاني الأن وأنا على عتبة الثالثة والعشرين، من رؤية ملامحهِ جيّدًا. كانَ وجههُ نحيفًا وعيناهُ غائرتان. كانَ أشبهُ بوجهِ مومياءٍ قبيح. يرتدي قميصًا فاتح اللون وسروال قماش رخيص وحذاء رياضي. شعرهُ خشنٌ وأسودَ جدًا.
سألني عن اسمي ومحلّ اقامتي. سألني عن ما أفعلهُ هنا في هذهِ الساعة المتأخرة. قدّم لي قطعة حلوى بينما كانَ يرميني بكمّ أسئلتهِ، والتي كنتُ أجيبُ عليها بكلِ ارتياحية ودونَ خوف. قالَ لي أنّهُ يعرفُ والدي جيّدًا، وأنّهُ صديقهُ منذ زمن بعيد. ربما هذا ما جعلني أرتاحُ للرجل الغريب. فلوالدي العديد من الأصدقاء الذينَ كانوا يحبونني ويعطونني الحلوى. وضعتُ الحلوى في فمي حتى كانَ التوتّر قد زالَ نهائيًا. كانَ يحدّثني بلهجةٍ مترنّحة. شعرتُ بأنّ لسانهُ مقطوع، وكانت رائحتهِ نفّاذة ومقزّزة (سأعرفُ لاحقًا أنّ قنينة الماء كانت قنينة بوخة محلّية). وضعَ الغريب يدهُ على فخدي. حسّس قليلاً عليها بينما كنتُ أهمّ بالقضاء على الحلوى في فمي وبلعها. ضحكَ وقالَ لي أنّهُ يريدُ شراء حلوى أخرى لي، هزّيتُ رأسي موافقًا فطلبَ منّي صعودَ السيارة برفقته.
في الحقيقة، لم تكن هذهِ أول مرّةٍ أركبُ فيها السيارة مع شخصٍ غريب. كنتُ أركبُ مع أصدقاء والدي في سياراتهم وكانَ بامكانهم وأنا برفقتهم أن يعاكسوا النساء بواسطتي. كانوا يشترونَ لي الحلوى والطعام ويأخذوني إلى مدينة الملاهي والألعاب. وحينَ ركبتُ مع الغريب، بدأ هو بالغناء والضحك وسرد الأحداث المارّة في حياتهِ، وخاصةً عندما كانَ طفلاً، وكنتُ أضحكُ لتلكَ القصص الغريبة في طريقة سردها وأحداثها.
أوووه يا رأسي، أشعرُ الأن بكل تفاصيلِ ذاكَ اليوم.. إنّهُ يومٌ غريب ولا يمكن لذاكرتي المتناكة أن تنساه.. انسيهِ أيها الذاكرة اللعينة. انسي هذا اليوم الملعون الذي يزورني بتفاصيلهِ الخشنة في منامي. لا يمكنني النوم. لا يمكنني الاستمتاعُ بيومي كهؤلاء البشر المنغمسين بأيديهم وأقدامهم في سرب الحياة. لو تمكّنتُ فقط من نسيانِ ذاكَ اليوم لأستطعتُ دونَ أدنى شكٍ أن أصيرَ رجلاً أخرًا. انسانًا أخرًا. مليئًا بالفراغ ككلّ الذينَ حولي. ولكن، ولكن.. مالحل؟
مالحلّ وأنا أتذكّر السيارة تسيرُ بنا وسط المدينة، حتى تصلَ بنا شاطئ البحر؟ أشمّ البحر. أشمّهُ برائحتهِ المختلطة برائحة الجيف والقمامة والطعام والعرق. أشمّهُ في ليل السكارى الجالسين وهو يغنّون ويرقصون. أشمّهُ ورائحة البوخة التي يشربها الغريب وهو يقودُ سيارته. كلّ تلكَ التفاصيل في رأسي بألوانها المختلطة بسوادِ الليل واصفرار الضوء واخضرار الزينة المعلّقة على حيطان مباني المدينة. بأصواتها التي كانت تصدر من مسجّل السيارة. مرسكاوي حزين يحاولُ الشخص الغريب تقليدهُ والغناء معه. أتذكّر المرسكاوي في هذهِ الساعة المتأخرة من الليل. لا أحبّ المرسكاوي. المرسكاوي جزءٌ من ليلتي المشئومة تلك. جزء من عذاب الأيام والأشهر والسنون. جزءٌ من عذاب جسدي كلّما تلمسته، وذكري كلّما ريّقتهُ وحاولتُ أن أجرّب وأحرّكهُ كأصدقائي هم يحكون عن نشوتهم كلّ يومٍ في الاستراحات وعودتنا لبيوتنا ساعة نهاية الدوام المدرسي. تلكَ الليلة المشئومة. يا ترى من أين كنتُ عائدًا يومذاك قبلَ لقائي بالرجل الغريب؟ هل كانَ والدي قد أرسلني لشراء تبغٍ له؟ أو ربما أكونُ عائدًا من بيتِ أحد الأصدقاء! لا يهمّ هذا الأن. المشهدُ في مخيّلتي دائمًا يبدأ بالساعة الحادية عشر ليلاً وأنا في طريقي إلى البيت قاطعًا الطريق لشارع عمر المختار من وسعاية بلخير. هكذا الأحداث تبدأ دائمًا، وهكذا أعودُ إليها. وأتساءلُ الأن أيضًا عن كم مرّةٍ في حياتي وأنا أتذكّر ذاكَ المشهد!
حينَ أستيقظُ الصباح الباكر، أشردُ لدقائقَ طويلة في القصّة منذُ بدايتها وحتى أخرها... وفي لحظاتٍ معيّنة من النهار، يضربُ في رأسي مشهدٍ أو اثنين من تلكَ الليلة أو ما بعدها من لحظاتٍ مشابهة. أشعرُ لحظتها برغبةٍ جمّة في البكاء. أبدأ بشتمِ كلّ ما حولي. أهربُ إلى البحر. أجري إلى البحر وأجلسُ لساعاتٍ أراقبَ تنايك الموجات وتراب الشاطئ. أظلّ ساعاتً طويلة من اليوم منفردًا ومنعزلاً... كانت المشاهد تتوالى، تتنايكُ في رأسي. تعصرني، تصيبني بصداعٍ حاد. تكادُ تقتلني. أضعُ يدايَ على رأسي وأصرخ مكتومًا. ثمّ أستمعُ لموسيقى رأسي. رأسي ينتجُ موسيقىً غريبة في تلكَ اللحظات.. هي ذاتها التي استعملتها في السنوات المقبلة انتقامًا لذاتي.
*
توقّفت السيارة بنا في مكانٍ ما. فتحتُ عينايَ على اثر شعوري بشخصٍ ما يضعُ رأسهُ على عنقي. لقد كنتُ نائمًا. هل كنتُ مخدّرًا؟ هل أخذني النعاس فنمت؟ هل الموسيقى ساعدتني على النوم؟ لا أدري تحديدًا ما حدث قبلَ نومي. لكنّني أتذكّرُ أنّني قد فتحتُ عيناي فشعرتُ بأحدهم يضعُ وجههُ على رقبتي. شعرتُ ببردٍ شديد في جسدي. لا، لم يكن بردًا، كنتُ أشعرُ بشيٍ ما فوقَ جسدي. حاولتُ دفعَ ذاكَ الشيء. كانَ جسدي عاريًا تمامًا... كانَ عاريًا وذاكَ الرجل الغريب كان يمسكُ ذراعيّ ويقبّل رقبتي ووجهي. قالَ لي أنّ لا أخاف. شعرتُ بأنّني سأبكي. شعرتُ أنّ ثمّة أمرًا ما مريبًا، مخيفًا سيحدث لي. شعرتُ بجسدي ينكمشُ بذاتهِ، إلّأ أنّ الغريب قامَ بصفعي مرارًا وطلبَ منّي أن أصمتَ، وأنّهُ سيقومُ بقطع لساني ورميي للغول خارج السيارة ان لم أكفّ عن البكاء وضبط نفسي. هزّيتُ رأسي ايجابًا. ابتسمَ لي وقال: "بوس عمّو يا ولد"، وراحَ يقبّلني ثمّ بلّ عضوهُ الجنسي بلعابه وحفرة شرجي أمرًا اياي أن أرخي جسدي. حاولتُ البكاء ثانيةً لكنّهُ صفعني بقوّة. شعرتُ بأنّ بعضًا من لعابهِ علق على حافة خدّي. وضعَ اصبعهُ في حفرة الشرج وأدخلها بقوّة، ثمّ وضعَ اصبعهُ الثاني في الحفرة كذلك. بدأتُ أصرخُ واضعًا يداي على فمّي. قالَ لي: "أنت ولد عاقل وجميل"، ثمّ زرعَ عضوهُ في مؤخرتي. تألمتُ كثيرًا. شعرتُ بأنّ حفرة الشرج تكادُ تتمزّق. تكادُ تُدمى. شعرتُ بهِ يتحرّكُ فوقي. يأمرني بفتحِ فمي فيقبله ويعضّ على شفتاي. وضعتُ لساني على شفتاي فأحتسيتُ دمًا. مؤخرتي وقتذاك كانت فعلاً ستتمزّق. انسلخَ جلدها. توسّعَ ولن أصيرَ انسانًا طبيعيًا. فكّرتُ وقتها ودموعي تغطّي وجهي عن ما سمعتهُ من أصدقائي: أنّ الامرأة التي تتناك سيغمى عليها، وبعدَ أربعة ايام ستحمل. اوووه يا الهي، سأحملُ أنا أيضًا. سيكتشفُ أمري. وهذا الرجل الغريب، أيكونُ صديقَ والدي حقًا؟ ماذا سيقولُ والدي لي عندما أعودُ للبيت. سيضربني دونَ شك.. لعلّهُ سيقتلني ببشاعة أو ربما سيقفزُ عليّ هو الأخر ويضعُ عضوهُ في مؤخرتي كما يفعلُ هذا الرجل الغريب.
كانَ الرجل الغريب يتحرّكُ فوقَ جسدي. حفرة شرجي ستتمزّق، وهو يصرخُ ويقول: "الأن، الأأأأن". ثمّ شعرتُ بشيء يخرجُ من عضوه. الكلب يبدو أنّهُ يبوّل في حفرة شرجي. يبدو أنّهُ يخرجُ بولهُ في داخلي. كيفَ سأنظّف حفرة الشرج اذن الأن؟ (هكذا فكرتُ وقتها).
قالَ لي وهو يجلسُ على الكرسي ويقومُ بغلقِ أزرار سرواله: "كن ولدًا مطيعًا. سأشتري لكَ الأن بعضَ الحلوى وأعطيكَ نقودًا وأشتري لكَ كرة قدم.. ستكونُ مؤخرتكَ بخير.. بعدَ دقائق ستكونُ مثلما كانت.. أوك؟".
جلستُ، شعرتُ أنّ مؤخرتي تؤلمني. وضعتُ كمّ قميصي على عينايَ ومسحتُ الدموع. حلوى ونقودٌ وكرة قدم... كم أنا ولدٌ سعيد ومحظوظ.
فصل من روايـــــــــة
تعليقات
[[
الأحداث تتكلم وبصراحة بليغة ،
توقعتها أقوى من هذه ،
ليس بالضرورة أن تكتب سيناريو تفصيلي ،
كانت لك (محاولات) سابقة أفضل ،
يقـال ( الكاتب الناجح هو من لا تعرف من ما كتب أهذا اولها أم أخرها )،
]]
السطور السابقة فقط لتسمع الرأي الآخر ، ولكنني أتمنى لك التوفيق ، وفي إنتظار كامل الرواية فلا تبخل علينا .