أرشيف

الأحد، 14 فبراير 2010

نينار اسبر




الفنانة التي اختارت جسدها وعقلها لوحةً تدمّر بها العقلية الذكورية

تخرجُ نينار اسبر إلى عالم أخر غيرَ ذلكَ المعتاد والنمطي في الابداع العربي. إنها تكادُ تصنعُ عالمًا أخرَ خاصٍ بها، وأعمالها الابداعية من رسم وتصوير واخراج هي مدرسة خاصة بها. فالمتابع لابداعات نينار، يستطيعُ أن يميّز أعمالها عن عشرات الأعمال الأخرى، لأنّها صنعت لذاتها ابداعًا مختلفًا وصبغة خاصة بها.

تستخدمُ نينار فنّها، جمالها وجسدها في التعبير عن ما في داخلها، فهيَ حطمت قواعد الذكورية العربية وانفراديتها واستقلاليتها الذاتية فجعلاها تفرغُ طاقةً ابداعية هائلة، فلم تكتفي بالتصوير ولا بالرسم فقط، بل دخلت عالم الاخراج السوريالي والتجريبي وان أمكن أن نسمّيه "البعد الحداثي" لتنتجَ لنا فنًا راقيًا وعميقًا في الكثير من أبعادهِ الجمالية.

ونينار اسبر كاتبة وفنانة استعراضية، تقومُ باستخدام كل التقنيات التجريبية والحداثية لتقديم عروض خاصةً بها لتعبّر من خلالها على حالة هوس شديد بما يدور في خاطرها وهاجسها الفنّي. إلاّ أنّ المتابع لأعمالها، سيستعصي عليهِ اعتبارها مصوّرة أو رسامة أو فنّانة أو مخرجة أو كاتبة، فهيَ كلّ ذلكَ في اطار خاص، ممّا يجعلنا نحاولُ خلقَ لقبٍ لها، يوضعُ تحتَ اطار الابداع التجريبي.



ما يثير في أعمال نينار اسبر أنّها تعتمدُ على أسلوب ( اللا مبالاة )، فا في عملها الابداعي "القيلولة" La Sieste، نراها تستلقي على خشبة على علو أمتار فوقَ بابٍ في غاليري The Store، في باريس، وتنامُ بكلِ سكينة. المكانُ يبدو عامًا، وتلكَ الأميرة النائمة تحافظُ على تقاسيم وضعية استلقائها. انّ اليد اليمنى المشدودة تحتَ الرأس واليسرى المتفرّعة إلى الخصر وساقيها المنفردتان، بالإضافة إلى اللون الأحمر الذي يصبغُ جسدها الشرقي والفراش البنفسجي أيضًا، وكذلكَ الشعر الذي يلفها، هو حالة مريبة، تسترعي النظرَ إليها مطوّلاً، محاولةً لاستكشاف ما ان كانت هذهِ الأميرة نائمة، أم أنّها جزء من تركيب هذا المعرض. كمشاهد، سأشعرُ بأنّني ما شاهدتهُ من أفلام الأميرات النائمات، ومن الحكايات والأساطير في الكتب، قد صارت أمامي واقعًا، وفي ذاتِ الوقت سأشعرُ بحيرةٍ للسبب الذي علّقت فيه هذهِ الأميرة عاليًا: ألكي نحتفظَ بالفضول، وبذلكَ تكسبُ المبدعة رهانها أنّها وضعت المتابع في حالة تداخل مع النص؟

انّ ما يعطي لتلكَ الصورة مصداقيتها، هي الملامح التي على وجهها. ملامح صارمة، خائفة، جادّة، متمردة... ملامح أميرةٌ حقيقية نائمة... فتعطي احساسًا غريبًا أنّ كل الاناث أميرات لحظةَ القيلولة. لماذا أسمت نينار عملها ذلك "قيلولة"؟ لماذا لم تسمّيه "نوم"، أو "ليل"؟ لماذا القيلولة ومالسرّ في القيلولة؟ الأنّهُ ساعة النوم في وضح النهار؟ في وضح الازدحام؟ أمّ لأنّ ذاكَ المعرض كانَ في وقتِ القيلولة؟ ربما هيَ تعبّر عن سرّية النوم، وخروجها من اطار العرض التقليدي لتثبتَ فرديتها في وسط جمع متشابه. هذهِ الأسئلة لا تقلّل من شأن العمل الابداعي. كلّ عمل ابداعي يصنعُ أسئلة، نستنتجُ أنّهُ عمل ابداعي بحقّ! وفي هذهِ اللوحة، أرى نفسي كمشاهد قد وضعتُ أمامَ الكثير من الخيارات والأسئلة، وأنّني مشدود لخلقِ أسئلةٍ أخرى، والتأمل أكثر في تقاسيم الصورة... لأنّ هذهِ الصورة تستحق أن يكونَ لها اسمًا ثانويًا: "الأسطورة، حينَ تصير واقعًا"!

والجدير بالذكر أنّ الأميرة "نينار اسبر" قد نامت في ذاكَ المعرض زمن خمسة ساعات دونَ أن تفتحَ عيناها أو تتحدّث مع أحد. وقد نفّذ هذا العمل في العام 2004.




وفي لوحة رسم ابداعية أخرى بعنوان: NINKOK، ترسمُ نينار اسبر مسدسًا على هيئة قضيب ذكر، أو قضيب ذكر على هيئة مسدس. يمكنني في هذهِ اللوحة أن أقولَ بأنّ القضيب الذكري هو سلاح بيدِ امرأة. أو أنّ هذا القضيب هو العامل المشترك بين طرفين اثنين، الذكر والأنثى. هذهِ الأصابع الأنثوية تحملُ القضيب كسلاح. في وجهِ من يا ترى؟ وجهُ الذكر؟ وجه المجتمع؟ انّها خروج طوعي من الارادة الذكورية التي ترى فحولتها في القضيب، والقضيب الذي بينَ يدا أنثى في كسلاح، هو كسر هذهِ الطوعية الخشنة وانزلاق تحرّري عميق جدًا.

تبدو اللوحة بسيطة في اعدادها. تبدو الألوان عادية، إلاّ أنّ فكرتها أعمقُ من أساسِ طريقة تنفيذها. نعرفُ أنّ الذي يحملُ القضيب / السلاح أنثى من الأظافر المطلية بالأحمر. الأحمر لون الخروج عن الارادة والطاعة الذكورية. إذن، بامكاننا أيضًا أن نستنتج أنّ شرف الرجل قضيبه، وشرفهُ هذا يضيع عندَ امساك الأنثى بهِ! يتحوّل الشرف الذكوري إلى نقطة لصالح المرأة.. هل المشاهد الأوروبي (المتحرّر) سيفهم مغزى اللوحة كما أفهمها أنا من اطار شرقي؟ هل اسم اللوحة Ninkok بتقسيمها NIN-KOK ذو علاقة باسم نينار؟ ربما، بما أنّها قد اختارت عقلها وجسدها عنوانًا وجوهرًا لكلّ ابداعاتها!

نعم، بامكاني القول الأن أنّ هذهِ اللوحة خروج طوعي من السلطة الذكورية وسخريةً تامّة تجاهه. ترفضه، تهدده، تقشره... تثبتُ أنّها قادرةً على مواجهته، والتغلّب عليه.

يذكرُ أيضًا أنّ نينار اسبر قد رسمت وأعدّت لوحة NINKOK في العام 2002، ومقاسها 200 x 150.

هذهِ لمحة سريعة على انجازات الفنانة نينار اسبر. هذهِ المبدعة التي خرجت من رحم مجتمعٌ لا يقدّر معطيات المرأة. انّها تواجهه (أي المجتمع) ولا تخشاه. نينار اسبر اسمٌ كبير، فرضت موهبتها وهمّشت عربيًا، لأنّنا لا نزالُ نعيشُ داخل اطار العقلية القديمة. لكنّها (أي نينار) قادرةً على اثبات ذاتها، واثبات موهبتها وفنّها. ارثها الثقافي شرقي، اعدادهُ التجريبي مقسّمًا بين الحضارة الشرقية والغربية. فأعمالها التصويرية والفنّية والسينمائية هي حالة تجريد تسردُ من خلالها حكاياتٍ وموسيقى ومشاهد تلامس المشاهد ومن الصعب أن تخرجَ من ذاكرتهِ بسهولة

يذكرُ أيضًا أنّ نينار اسبر سورية الأصل، من مواليد بيروت العام 1971، اشتغلت في بعض المجلات العربية والفرنسية كصحفية. صدرَ لها حتى الأن كتابين هما: "ليل أول" والصادر عن دار النهار – بيروت، وكتاب حوارات مع والدها الشاعر أدونيس والذي بعنوان: "أحاديث مع أدونيس، أبي" باريس. كما تعدّ لفيلم طويل ويتوقّع أن يكونَ مفاجأة في عالم الفن العالمي.

أتساءلُ الأن أيضًا: ان كانَ لنا عشرة من نينار في عالمنا العربي، هل كنّا لا نزالُ محتفظين بعقلياتنا المتخلّفة، فخورينَ بها!


------------

هذا العرض خاص بمدونة MESRATI ويمنعُ منعًا باتًا اقتباسه ونشرهِ مرةً أخرى.

الصور المرفقة نُشرت بموافقة من الفنانة "نينار اسبر" ويمنعُ اقتباسها ونشرها دونَ موافقة الفنانة.

موقع الفنانة نينار اسبر: اضغط هنا.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

رائع يا نينار .. دخلت موقعك وانت حقا مبدعة وشكرا للمصراتي

ماركوس الليبو