معمّر مات
فترة الظهيرة في وسط البلاد مشبعة بالصمت، وكل شيء يميل للأصفر. جلسة ظهر يوم عادي مع شريف الجبنه تحت قوس عمارة الميت. وكالعادة تحت تأثير الحبوب في فترة الظهيرة، أنصت لصوت محرك خزانات المياه.
درجة الحرارة مرتفعة، ورائحة الأكل تنبعث من كل مكان.
أنا واقفٌ بالقرب من شريف الجبنة، وهو جالس على كرسيه، مسندا ظهره وكتفيه إلى الحائط خلفه، عيناه مغمّضتان.
عند النظر إلى أعلى، أرى أشعة الشمس على الجانب العلوي من العمارات، بينما الجزء السفلي مشى ناحية الظل. قط شارد مرقع غاطس بنصف جسمه داخل كومة نفايات، كل أبواب المحلات مغلقة بسبب هواء المكيفات، الكل تلاشى تقريبا، الشارع مغلقٌ من الجهتين بسبب اقتراب مرور سيارة وفد سياسي.
أسمع صوت انزلاق عجلتي سيارة من مكانٍ ما، وأحدهم يصفر بعيدا.
من وقت إلى أخر يمر شخص ما، ولد من الحي أو عابر سبيل، يتوقف ليبدأ حديثا لا أسمع منه شيئا، وأقبل مشاركتهم التدخين لو عرضوا، لا شيء يهم تحت تأثير المخدر سوى اللحظة نفسها. لقد كنا منسجمين بكامل حواسنا في هذه اللقطات المتقطعة التي تختزلها المخيلة في دوائر على حيطان العمارات الشاهقة.
لمحت سيارة شرطة قادمة من ناحية الساحة الخضراء، تتبعها أخرى سوداء معتمة الزجاج.
سيارة الوفد. قال شريف.
حين اقتربت السيارة رأينا شخصا يخرج رأسه من الشباك الخلفي ليصرخ: «معمر مات، معمر مات»، حين مرت السيارة بمحاذاتنا لمحنا داخلها شخصا يسحب الرجل من قميصه، بينما آخر يجلده بعصى أو حزام. اختفت السيارة من ثم، وطبق الصمت مجددا. سمعت الجبنة يقول «ضاع في الضباب»، فأضحكني التعبير.
كان ذلك في ربيع، بل ربما في صيف ٢٠٠٣.
تعليقات