قطرة عرق بين شعيرات ابطك




بامكاني في هذه اللحظة أن أشعرَ بالعرق المتصبب من جبيني، وفي ذاتِ الوقت، ويا لا المفارقة العجيبة، أراني أستشعر العرق المتصبب من تحتِ ابطك. كنّا يومها قلقين، وكطفل، وضعتُ رأسي على كفتك وأستنشقتُ رائحة المسك المختلطة بعرق جسدك. وبينما قضيتِ أنتِ الوقت تلاعبين شعرات رأسي، كانَ بامكاني الاحساس بوخزات شعر باطك الحليق. هل كانت تلكَ اللحظة المؤرقة هي سبب خوفي من رائحة الصيف؟ قبل تلكَ اللحظة بدقائق قليلة، فقد كلينا عذريته.. خوفنا كانَ بسبب ايماننا العميق بصاعقة ستخترق هذا الجوّ الساخن لتصيبنا على ذاك السرير، نحمل في أوزارنا خطيئتنا الأولى، أو هكذا اعتقدنا وقتها.. لا أدري ما هي الأفكار التي كانت تحومُ في رأسي وقتها، ولكن لأنّ الصاعقة السماوية لم تضربنا لحظتها، أحسستُ بشيء من الانتشاء ورغبة عارمة في الضحك وأنا أتلو على مسامعك آيات كُفري.


أريدُ لقلبك أن ينبض في عقلي كلّما تذكرتُ تلكَ اللحظات. أريدُ أيضًا أن أحتفظ بعادتي في نفض غبار سيجارتي داخل علبة بيبسي فارغة، كما كنّا نفعل كلّ ليلة بعدَ عودة كلينا من الدراسة والعمل. نجلسُ على السرير، ويحكي كلّ منّا للأخر عن اليوم والناس والأصدقاء، ونحنُ ننفضُ غبار السيجارة داخل علبة احملها – أو تحملينها – عند المنتصف، وندخن بشراهة من ذاتِ العلبة، وحينَ ينهكنا التعب والضحك، نضعُ العلبة على الكوميدينو ونتشاجر قليلاً بسبب صغر السرير الفردي، ثمّ نفتحُ أعيننا لاستقبال يوم أخر.


لقد كنتُ مخطئًا آنذاك.. هل تعرفين؟ لم يكن من المتوجب عليّ الصراخ فيكِ متذمرًا بسبب مناداتك اياها "الحركة 69"، وذلكَ لأنّ الرقم كانَ مخيفًا، مليئًا بكلّ صور الموت لبلاد تحتضر، وكنتُ أصرّ على مناداتها "الحركة 96"، وان كانَ لحفظها أكثر ثقلاً على اللسان، لكنّها كانت أخفُّ على ارهاصات الغراب الذي بيضتهِ داخلي. لعنة المكان تطاردني، وأقعُ دائما في فخّ الالتصاق بالامكنة والناس.


لنا مخيال الحنين. اللعنة الأزلية التي التصقت بنا. نعوّض الخيال بالوجود.. تمسكينَ شيئي وتغلقين عليهِ فمك، وبلساني، أزيلُ عنكِ أثر الوجود. نختزلُ الأرق في لحظات الانتشاء، وعطرك الحزين يزيحُ عنّا رائحة التراب، وحتى النبيذ الرخيص من المحل في أنغُلو الشارع، باستطاعة لوثته أخذنا لجوّاتنا.. تبًا للذاكرة التي أفرغت فيّ كلّ هذه الكلمات الأن.. نعم، أعترف لكِ الأن بمحاولاتي البائسة لنسيانك.. ولكن أنتِ لم تعرفي باقي الحكاية بعد.. كلّ شيء انتهى، وجاءت الحرب بعدكِ، ولم أعد استمعُ لذاتِ الموسيقى، ولا أشاهدُ ذات الأفلام التي استمعنا وشاهدناها سويةً. كلّ شيء تغيّر الأن... وبعدَ رائحة عرق ابطك، جاء العجاج ليضرب وجهي في سيارة عمّي السنّي ونحنُ نخترق الطريق الترابية. في السيارة، وأنا أجلسُ في الكرسي الخلفي.. تذكرتك، ولكنّني وقتها، وبذاتِ الأرق الذي شعرتُ بهِ وأنا معكِ في السرير، أحسستُ أنّها ستكونُ المرات الأخيرة التي أتذكركِ فيها.. ولكنني وقتها بتّ أفكّر في أشياء أخرى أيضًا. ماذا لو متّ في الحرب مثلاً، ووجدتُ أنّ الأسطورة حدثت واقعًا، ووجدتُ نفسي رفقة الملاك، ولي خيار الجنّة التي فيها الوجوه التي أعرفها، وجهنّم التي ترقدين فيها.. أمشي إليكِ في الجحيم طبعًا، أو هكذا فكرتُ وقتها.. ثمّ ضحكتُ وأنا أطردُ هذهِ الفكرة.. ثمّ مثل القبضة التي ضربت صدري، تذكرتُ أنّني لم أفي بوعدي بعد لزيارتك في منفاكِ الأخير.. وتساءلتُ ان كانَ من يأتيكِ كلّ يوم عطلة ليمسحَ على قبركِ، أو ليضعَ بعض الأزهار الرخيصة ويستبدلها بالأخرى التي ذبلت، كما كنتِ تستبدلين عطرك... هل سأستلذُ بمسح ما علق على حائط ذكراكِ كما كنتُ أستلذ بالمسح على شيئك؟


يومها، ورأسي على كتفك، وبخدّي أستشعر وخزات شعر ابطك، ابتدأت تلكَ الحكاية.. في تلكَ اللحظة، أحسستُ بأنّ في هذا العالم ما يستحق أن يكتب الأن لأجله، وكلّما كتبتُ قصة، سطورًا أولى من رواية او حتى خبر صحفي، يأتيني ذاكَ المشهد، لما فيه من البدايات.


ولا تزالُ الحروف على الحافة!


تعليقات

‏قال Noura ezzaroualy
أزال المؤلف هذا التعليق.
‏قال Noura ezzaroualy
أزال المؤلف هذا التعليق.
‏قال غير معرف…
oh gooooooooooooooooooood
انت مبدع
ما نخشش هلبة ع المدونات , بس بالصدفة شدني المرشبيدي اللي اخترته عنوان لمدونتك , ف خشيت , و عجبتني العكسة داخل
بلا ثرثرة , بجد ما شاء الله عليك .
‏قال غير معرف…
دخلت بالصدفة لمدونتك , ما نخشش هلبة ع المدونات , بس شدني العنوان
ذكرني بمرشبيدي شارعنا , بلا كثر ثرثرة , ابداااااااااااااااااااع
بالتوفيق
‏قال مادموزيل
لقد بدأت تستعيد توازنك ...
‏قال غير معرف…
اعجبني

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التاريخ السري: مقتطف من مقال طويل

أحلام ومؤخرة الحمار

معمّر مات