هدم ثقافة الشعب، والشعب ساكت

على الماشي، خطرت في بالي معضلة وجودية: فبينما جاء ديفيد الجربي لإعادة احياء المعبد اليهودي بالمدينة القديمة بطرابلس قبل ايام قليلة... قامَ بعض السلفيين التكفيريين بهدم أضرحة للشيوخ الصوفيين. مسألة البناء والهدم في ليبيا الجديدة هذه تحيّرني. والمشكلة الأعظم أنّ الليبيين يقولون أنّه لا يحق لـ ديفيد الجربي إعادة افتتاح المعبد اليهودي لأنّهُ يمسّ مصلحة وقطاع الأثار، بينما لم يتجرأ أحد من هؤلاء على فتح فمه إزاء ما يحدث لهذهِ الأضرحة التي تمتدُ أعمارها في جذور الثقافة الليبية مئات السنين.
في الحقيقة، لم أصدم بهذهِ الأخبار الأخيرة القادمة من طرابلس حولَ هدم الأضرحة الصوفية من قبل جماعة يتّبعون المنهج السلفي التكفيري، ولكن ما صدمني هو سكوت النخبة الليبرالية عامةً وشيوخ الصوفية خاصةً في الغرب الليبي على هذهِ الاعتداءات التي تمسّ ثقافة المجتمع الليبي وتاريخه كشعب متديّن على الطريقة الصوفية. فبعدَ هدم ضريح بمنطقة جنزور- طرابلس، والصمت من قبل المجلس الوطنطني الانتقالي.
في إحدى النقاشات والمجادلات على الفيسبوك، استخدم السلفيين حجّة أنّ هذهِ الأضرحة هي السبب الأول في جهل المجتمع، على أساس أنّ الناس يزورونها تباعاً لأساطير التبرّك والقربان، ولعلّ هؤلاء قد نسوا أنّ أي دين أو منهج عقائدي يتّبعهُ الانسان لا يخلو من الأساطير، بما هي منهجهم الاسلامي، هذا أولاً، وثانيًا، حجّة أن الناس تزورها من أجل القربان هذهِ حجّة مستهلكة، باهتة تظهر مستوى الانحطاط الأخلاقي للسلفيين وعقمهم في فهم الثقافة والتاريخ وحبّهم السادي لأي تحطيم وهدم سواء للثقافة أو الروح الدينية لأي مجتمع، وللعلم، لم تعد هذهِ الاضرحة ملاذًا للمتقربين للذاتِ الإلهية (وحدهم الشيوخ والعجائر من يقمن بذلك)، باعتبار أنّ الشاب الجديد من الصوفيين في عصر الانترنت والميديا باتوا أكثر بعدًا من الحالة القديمة في مجتمع عاشَ فترة طويلة في ظلام كاحل.
إنّ هذهِ الأعمال الشنيعة في حقّ أثار الدولة ومقدساتها هي انتهاك لحرمة الليبيين ولا تختلف عن الأعمال التي قامَ بها معمّر القذافي حينَ سيطر على زمام السلطة، بنقل ضريح عمر المختار لمنطقة نائية وبهدم ضريح "سيدي حمودة" الذي كانَ في قلب ميدان الشهداء. هذهِ الأعمال التخريبية التي تمسّ ثقافة شعب بأسره لهي بداية فقط، والقادم أعظم تحتَ سلطة الجماعات الاسلامية المسلّحة، ولن نستغرب ان تمّ مستقبلاً القضاء على حضاري المولد النبوي باعتبارها من البدع حسبَ منهج السلف الطالح، ولن أتعجّب ان تمّ تفجير ضريح عبدالسلام الأسمر في يومٍ من الأيام باعتبار أنّ الليبين يقدّسون هذا الشيخ وزاويته الأسمرية.
تعليقات