جنرالات وسندويتش كشري وعصاة موسى


تفتحُ عيناك، أنتَ تكره الجمعة، ترتدي ملابسك على عجل وتنزل العمارة. تقابلك الساحة، وفي وسطها تمثال لرجل لا يشبهك (يضعُ على الاغلب طربوشًا)، تتركهُ يخطب في الجمع حوله. الجمع يرمي طرابيشهُ في الهواء ويصفقون لهُ سعداء.. تنحرف يسارًا، ثمّ يسارًا وتمشي بخطوات متعثرة. تفكر بأنّ عليكَ التخلص من عادة وضع يداك في جيبا سروالك. تدخل إلى فلفلة، تشتري سندويتشان طعمية اسكندراني، تخرج من المطعم وتقطع الطريق (العملية الأكثر صعوبة في هذهِ المدينة). تراقب العساكر وهم يقطعون الطرقات. تستمعُ إلى المذياع والريّس يخطب في الجمع، تتساءل ان كانَ سيكرر خطاب النكسة... تطلب من عامل الكشك ثلاثة علب رثمان، يسألك العامل: "قصدك روزمان؟"... "أي كسم انت عايزه، بس خلصني" تقول في نفسك فيجيبك العامل أنّه لا يبيع هذا الصنف من السجائر. تنسحب من الكشك بعدَ أن تشتري ثلاثة علب مالبورو أحمر. في الطريق ترى جنرالات واقفون بملابسهم العسكرية في طابور واحد أمامَ تمثال الرجل صاحب الطربوش. أصل إلى مبنى اقامتي، ألتفت إلى "جروبي"، في أعلى بناية "جروبي" قناص واقف خلف النافذة يحمل بندقيته. فوهة السلاح موجهة إلى رأسك، هكذا تفكر، فتبتسم وترفع يدكَ إلى القناص تحييه. الجنرالات ينظرونَ لكَ الأن. بواب البناية الأسود النحيل ينظرُ لكَ هو الأخر. هم بالطبع لا يخافون منك، انهم ينظرونَ إلى نقطة الليزر الموجهة إلى رأسك. تعودُ إلى حجرتك لالتهام السندويتشان. عندَ القضمة الأولى، ستكتشف أنّ هذا لا يبدو طعم طعمية اسكندراني. تفتحُ الخبز فترى فيهِ أصنافًا من المعكرونة وبعض الدهون. تمسكُ الملعقة بيمناك وتضغط على أسفل الخبز بيسراك فتنفتح من الأعلى وتضعُ الملعقة في أعماق المعكرونة وتلتهم الكشري بشهية. تدخن أربعة سجائر. تنظر إلى جهاز اللاب توب المرمي على الطاولة، بالامس كان ابيضا، الان اسود. لا رغبة لكَ في تصفح مواقع الانترنت. لا رغبة لكَ في مشاهدة الأخبار ولا متابعة أحداث الثورة ولا مينشن إلى أصدقاء تويتر.. تستلقي مرة أخرى على السرير. صوتُ المكيّف فوقَ رأسكَ مزعج. تمسكُ الريموت وتضغط على الزر الأحمر، ثوانٍ قليلة وتجدُ أمامكَ قناة سبيستون. تتابع المحقق كونان، حلقتان من توم آند جيري، تمسكك الشاشة من أطراف عيناك لتتابع كرتون مدرسة الكونغ فو. تنظرُ للساعة بعدَ انتهاء الحلقة. الرابعة والنصف بتوقيت أم الدنيا.. تسأل البحر مرةً أخرى... تفكرُ في ما يمكنكَ القيام بهِ الأن: لا شي. تضعُ يدكَ على ذكرك... لا رغبة لكَ في ممارسة الاستمناء على الأطلال. تتثاءب، تنطوي على نفسك. تنظر إلى اللاب توب على الطاولة. تراقبه من بعيد، تلتفت إلى الجهة الأخرى حيث الحائط المصفر. الوسادة تحتَ رأسك كما الحجرة. من الصعب أن تضعَ رأسكَ عليها. تغفو قليلاً، مرحى بالكوابيس الجميلة. تفتحُ عيناك، تقف من على السرير. تخلعُ ملابسك، تدخل إلى الحمام. تقف تحتَ الدوش لنصف ساعة. المياه صفراء ورائحتها غريبة. تعودُ إلى السرير وتستلقي عليه وانتَ مبتل وعارٍ. تغفو قليلاً. ومن ثم تستيقظ. تخرجُ إلى الشارع، تأخذ تاكسي، تتعرف على الرجل سائق التاكسي: "هو انت طلعت من السجن يا ريّس"، "اه طلعنا وفي اخر عمري بشتغل سواق تاكسي". أسألهُ عن الرجل الواقف وراء عمر سليمان.. فيقول لي: "ما تسال عمرو"، التف لعمرو في المقعد الخلفي وأسأله.. لكنه لا يجيب. تظل صلعتهُ لغزاً أبديًا. "هناك دودة على رأسكَ يا عمرو"، يظل الرجل الواقف امام الرجل الواقف وراء عمرو سليمان صامتًا، ألتفت إلى السائق مجددا، أسألهُ عن زيارته إلى ليبيا ليلة سقوطها تحت يدا القذافي، وعندما كانَ يجيبني، لاحظتُ أنّهُ لا يمسكُ قلمًا في يده كعادته على قناة الجزيرة. أخرجُ من سيارة التاكسي، أجدُ وجيه غالي في انتظاري أمامَ كايرو جاز كلوب، يقفُ أمامَ باب الكلوب "الراجل الواقف وراء عمرو سليمان". تحدث غالي مع الرجل بينما وقفتُ أنظرُ إلى جمال وعلاء وهما يبكيان في زاوية ريسبشن الكلوب. بملابس السجن. عيناهما حمراوتان، كالبحر الأحمر أيام موسى. أسأل غالي عن "جروبي" والقناص، لا يلتفت لي. أشتباكَ بالايادي مع الراجل الواقف وراء عمر سليمان. طلبَ مني غالي الانتظار أمامَ الكلوب للحظات. ذهبَ قليلاً ثم عاد رفقة "ديدي نخلة" و"إدنا سيلفا"... لا أدري ما حدث، قبلات على الجبينين، كلمات متناثرة، ثمّ قررتُ ان أعودَ إلى الفندق فقد بدأت أشعرُ بالبرد بسبب عرائي وابتلالي. تعودُ الى غرفتك، تنشّف جسدك وشعرك، ترتدي بوكسر وتعودُ إلى السرير... هناك فأر في الغرفة، يستلقي الأن في متاهات شعري. موسى يقفُ بعصاهُ أمامَ باب الغرفة: سيضربُ بعصاهُ الأرض فتنشق المدينة وأعبر.. يعبر الليبي التائه طريقهُ إلى أرض الميعاد.
----
أصل الصورة: اضغط هنا

تعليقات

‏قال أحمد
لم تجد ما كنت تبحث عنه، ولم تصل إلى ما تريد.
الخدعة أن أوديسوس في الحقيقية لم يصل إلي ايثاكا التى كان يريدها. إيثاكا لا تهم... المهم كان الرحلة


والله الموفق والمستعان

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التاريخ السري: مقتطف من مقال طويل

موت محمد

معمّر مات