ولادة رابعة لـ امتداد

رفيقي العزيز غازي
ها هو امتداد يكمل عامهُ الرابع. أربعة سنوات من العمل والإعداد والتسجيل والمونتاج والاعلانات، رغمَ كمّ الاحباطات التي تتلقاها في كل مرّة. طفلكَ الصغير باتَ يكبرُ رويدًا رويدًا. وشهيقكَ الأخير، شهيقكَ الأخير يا صديقي أستمعُ لهُ الأن، وأنا أجلو بهذه الكلمات، وعندما انتهيتُ منهُ، وجدتُ أنّ احتفالكَ بهذا اليوم كان بقصيدتين نثريتين صوتيتين. حزني الجميل، هذا النثر الذي لطالما استمعتُ لهُ وأنا أسيرُ على أرصفة لندن وشوارعها الضيّقة. لندن يا صديقي امتدادٌ أخرَ لنا. امتدادٌ قطعناهُ صباحًا وظهيرةً ومساءًا وأخر الليل. شاركتنا هذهِ المدينة حلمًا عميقًا، هل هذهِ الأحلامُ باتت شهيقًا أخيرًا وحزنًا جميلاً؟
في فينشلي رود، قلتُ لكَ: "سنلتقي الاثنين للإحتفال".. سألتني بتعجّب: "بماذا سنحتفل؟". أغضبني سؤالك، وأجبتكَ بتعجّب: "أربعة سنوات على ولادة امتداد". إلاّ أنّكَ لحظتذاك لم تنظر إلى عينايَ. اكتفيتَ بهزّة من رأسكَ وأنتَ تتذكّر ميلاد طفلك ثمّ قلتَ لي بصوتٍ منخفض حتى كدتُ لا أسمعه: "ومالجدوى؟". لقد أصابني سؤالكَ في داخلي وألمني. فمنذُ أن صارَ امتداد يخصني كما يخصك، وصارَ جزءًا منّي، لم أشأ يومًا أن أضعهُ في غرفةٍ قاتمة أو أبعدهُ عن أفكاري. هناكَ دومًا أفكارٌ جديدة حولَ امتداد. هناكَ مشاريع وأحلام مؤجلة، وكلينا كانَ يسندُ ظهرهُ على ظهر الأخر، متشبّتين بعملنا الذي نحب. وحينَ سألتني: "مالجدوى؟"، كنتُ مضطرًا لأن أعطيكَ اجابةً تهكمية كَي لا أفقدَ توازني. لكنّ الجدوى الحقيقية من ذلك يا صديقي أنّ لا أبًا ينسى عيد ميلاد طفله ولو كبرَ هذا الابن وصارَ كهلاً. إن هذا الأمل الذي بنيتهُ حلقةً وراء حلقة، ساعةً وراء ساعة، ليلةٌ وراء ليلة، لا ينتهي بألمك، ولا ينتهي بسذاجة الكسالى، فأربعة سنوات من العمل التطوعي، عملٌ تعطيهِ من طاقة الحبّ لديك، لا ينتهي، حلمنا لا ينتهي، حلمك لا ينتهي ولا يتوقف. هل أبالغُ ان قلتُ أنّ نبض امتداد من نبض قلبينا؟
حينَ اقترحتَ عليّ الانضمام لـ إمتداد، كنّا وقتها في غرب هامستد. كنّا في مقهى بريوش. لا أدري في أي سياقٍ سألتني لأنضمَ إلى البرنامج، ولكنّني أتذكرُ أن الطقس يومها كانَ لطيفًا. ليلتها كنتُ أفكّر في ما سيكونُ اثرَ انضمامي للبودكاست. هل سأصنعُ جديدًا فيه؟ هل سيصيرُ البودكاست أكثر احترافية وقتها لأنّنا سنكونُ اثنين وكلينا ملتزمٌ في العمل ونكرهُ المزاح داخله؟ ومع الوقت، اكتشفتُ أنّني جزءٌ من البودكاست. قلتُ لنفسي ذاتَ مرّةٍ وأنا في الحافلة عائدٌ إلى غار حرائي بعدَ أن انتهينا من تسجيل إحدى الحلقات، أنّ امتدادٌ صارَ لي كما هو لك. وهكذا، وحتى اليوم، كنتُ برفقة صمتي، أنتظرُ الساعة الثانية عشرَ بعدَ منتصف الليل، لأكتبَ لكَ هذهِ الرسالة الهلوسية... دونَ أن أراجعها أو أعدلها... أردتُ فقط أن أقولَ لك أنّ مغامرة امتداد هيَ لعبةٍ لن نخرجَ خاسرين منها، ولأهمسَ في أذنك قائلاً: "كل الدروب تؤدي تؤدي إلى غير مقصدك... كلّ الدروب تؤدي إلى امتداد".
كل عامٍ وامتداد بخير.
12 أبريل 2010
2:01 صباحًا
----------
الصورة هدية من الرائعة أماني الورفلي لـ بودكاست امتداد بمناسبة اربعة سنوات على ولادته.
تعليقات
أشكرك على هذه الرسالة العميقة، واعتذر إن كنت قد جررتك إلى بعض اعماقي المظلمة والمتوحشة والمليئة بالقلق. ستظل دائماً مصدراً لفرحي ولاستعادة عنفواني للعمل والاستمرار، ولا ابالغ أنه بدونك كنت سأتوقف عن الاستمرار في بودكاست امتداد، بعد هذه السنوات، بعد بدايتي البدائية في حجرتي الصغيرة مترين في ثلاثة امتار بشرق لندن، وبجهاز كومبيوتر قديم اشتريته مستعملاً بخمسين جنيها وميكروفون اشتريته بجنيه واحد فقط. وكما قلت لك ما يدفعنا للاستمرار ليس الحافز المادي ولا المعنوي الذي نفتقده كثيراً كما لمست بنفسك ولكن الدافع الوحيد هو لأننا نستطيع، لأننا نمتلك ارادة العمل والاستمرار. شكراً لك ألف مرة وكل امتداد وانت بخير..
أينَ هو نقدك؟ قرأتُ تعليقك عشر مرات وأبحث عن النقد الذي جعلكِ تكتبين في أخر تعليقك: تقبل نقدي!!!!
أوه، ربما السؤال صارَ نقد هذهِ الأيام!!!
وهل تعرفينَ أنتِ غازي القبلاوي جيّدًا وأكثرَ منّي كَي تسأليني أن أقتدي بهِ أم لا؟
ومن ثمّ، لو كانت القدوة التي تتحدثين عنها هي القدوة في الكتابة، فلكلٍ كاتب أسلوب، ولكل كاتب مواضيع خاصة بهِ، رغمَ أن ما يميز صداقتي بغازي أنّنا نختلف في أشياء صغيرة جدًا، ولكننا متفقان دائمًا في العمق
لا أظنّ بأنّ هذا سؤال تطرحه (ناقدة) سواءً عربية أم ليست عربية!!!
محمد