يوميات جورج أورويل

الكاتب العربي الذي وُلدَ بريطانيًـــا

لم يحظى الكاتب والروائي البريطاني جوروج أورويل بقدرٍ كبير من الإهتمام في الثقافة والأدب العربي، على الرغم من أنّ رواياتهِ وأعماله تدورُ حولَ سياستة العالم العربي اليوم، وروايته 1984، كانت تنبأ لما سيحدث في الوطن العربي من ظهور القمع السلطوي والإستبداد والديكتاتورية. رواية 1984 رؤية مقاربة لما يحدث في الوطن العربي اليوم. عرضهِ للأحداث والمشاهد والصور لا تكادُ تختلفُ أبدًا عن صورة القمع السلطوي في الوطن العربي اليوم، رغمَ أنّ الكاتب البريطاني كتبَ روايتهِ الشهيرة بينَ عامي 1946 و 1948.

اسمهُ الحقيقي "إريك آرثر بلير"، وولدَ في الهند عام 1903، حينَ كانَ والدهُ موظّفًا في السفارة البريطانية هناك. ينتمي جوروج أورويل إلى عائلة من الطبقة المتوسّطة، وهذا ما دفعَ والداه لأن يتلقّى ابنهما تعليمهُ في أفضل المدارس البريطانية، إلاّ أنّ إريك لم يكن تعجبهُ فكرة التقيّد بعملٍ واحد، والبقاء على حاله، فقد كانَ عاشقًا للحرية والمغامرة، فقرّرَ في سنّ مبكّرة أن يبدأ حياتهُ وقوفًا في صفوف الفقراء والمشرّدين الذينَ كانوا يملئونَ أوروبا بشكلٍ عام، وانكلترا بشكلٍ خاص، وهكذا، بدأ الشاب حياتهُ الحافلة في التنقل مع المشرّدينَ وبينهم، وفي سنّ الثانية والثلاثين نشرَ روايتهُ "ابنةَ الكاهن" ومن ثمّ "دع الزنبقى تطير"، وهذهِ الأعمال لم تحظى بقوّة التوزيع ولم تلقى ترحاب النقّاد وحفاوة القرّاء، فسافرَ إريك بلير إلى باريس ليقيمَ في حيّ العمّال الفقير، ويشتغلَ في مطعمٍ كغاسلٍ للصحون فترةً من الزمن، حتى عودتهِ إلى لندن، ليقيمَ تحتَ جناح والديهِ فترةً من الزمن، ليتمكّنَ من كتابة عملهِ الذي يتنقّل بينَ السيرة الذاتية والتقرير منهُ إلى الرواية "مشرّدٌ بينَ باريس ولندن"، تحتَ اسم "جوروج أورويل" سترًا لعائلتهِ التي كانَ لها شهرةً وعراقةً في الوسط الإجتماعي البريطاني. وبعدَ ذاكَ النجاح، ذهبَ أورويل إلى الشمال الإنكليزي ليجري تحقيقًا صحافيًا حولَ وضعِ العمّال فكانت تلكَ تجربتهِ في الإشتراكية الإنكليزية في الثلاثينات من القرن العشرين، وقد كتبَ عنها تقريرًا مفصّلاً صدرَ في كتاب بعنوان "الطريقُ إلى رصيف ويغن" في 2000 نسخة بيعَ منها 1000 نسخة في الشهر الأول من صدورها، وكانَ ينتقدُ فيهِ أسس الإشتراكية الإنكليزية التي قالَ أنّ لا فرقَ بينها وبين الطبقية في المجتمع البريطاني.

وحينَ سافرَ الروائي البريطاني إلى اسبانيا أثناء الحرب الأهلية الإسبانية كمراسل، رأى هناكَ الخراب الذي يمكن أن تنتجهُ صناعة دولة شيوعية، خاصةً اثرَ وقوفه في صفوف الماركسيين المعاديين للـ ستالينية وقد كتبَ عن تلكَ التجربة روايتهِ "تقديرًا لكتالونيا" والتي تعتبرُ كذلكَ ردًّا صادمًا وصريحًا للسياسة والصحافة البريطانية التي كانت تقف موقفًا معاديًا لليسار الإسباني. وقد كانت تلكَ الرواية مليئة بالعواطف التي لم تساعد في ارتقاء النص، خاصةً أنّ التجربة كانت كالصدمة لدى الكاتب، ولم تختمر في عقله بعد، وهنا يلومُ النقّاد استعجال الكاتب في نشر روايتهِ.

إلاّ أنّ الصورة اختمرت فعلاً في عقل الكاتب، وتراكمت عليها تجاربَ أخرى لتصقيلها، ومتابعتهِ السياسية المكثّفة، وأرائه، وهذا ما جعل فكرَ جورج أورويل يرتقي أكثر لتعميق فكرتهِ ورؤيتهِ السياسية، ليكتبَ في سنواتهِ الأخيرة روايته العالمية "مزرعة الحيوانات، ثمّ روايتهِ 1984 التي تنبئ عن ما سيحدث في العالم في الثمانينات، إن احتلّ الفكر الشيوعي العالمَ بأسرهِ، سواءً الديكتاتورية أو القتل والإرهاب واحتكار الإنسان وما إليهِ.

بعدَ ستةّ روايات، وأكثر من عشرة كتب هي بينَ الدراسات والتقارير، توفي "جوروج أوريل" في العام 1950 عن عمر يناهز الـ 47 عامًا بمرضِ السل، وهو المرض الذي كانَ يصيبُ العمّال والفقراء في أوروبا وقتذاك.

بعدَ 59 عامًا من وفاة الكاتب والروائي البريطاني، لا يزالُ النقّاد والمهتمين والدارسين منشغلينَ في التعمّق بحثًا عن أسرارٍ أخرى ونتائج أخرى لهذا الكاتب الذي شغلَ الناس في فترةٍ ما. وقد كتبت عنهُ الكثيرَ من كتب السيرة وتمّت دراسة كلّ ما كتبهُ بشكل أكاديمي بحث، يحاولُ فيهِ المهتمين بإختزالِ حياة الكاتب بما نتجهُ في رواياته، وربما هذا ما دفعَ دار نشر (هارفل سيكر) لنشر كتاب (يوميات أورويل) مطلع شهر سبتمبر من هذا العام. فقد صارت المرجع الأول للتعمّق في دواخل أورويل واكتشاف تغيّره وطريقتهِ في الحياة.. كما سيكتشفُ القارئ أيضًا ما يُريدُ معرفتهِ عن الكاتب في حياتهِ الشخصية، وما خفيَ من اليوميات، يبدأ المحرّر في وضعِ الأسباب وتحليلهُ لما حدث في تلكَ الفترات التي انقطعَ فيها أورويل عن كتابة يومٍ ما أو ما يقصدهُ في جملةٍ ما.

وقد لقى الكتاب منذُ صدورهُ استحسانَ القرّاء والنقّاد، رغمَ أنّ معدّ اليوميات والناشر يشكّان في أنّ هناكَ مذكرتان مفقودتان، وفي هذهِ المذكّرتان، يؤرخُ جورج أورويل فيها مراحل مهمّة من حياتهِ، الا وهي الفترة الممتدّة بين العامي 1931 – 1949، أي فترةَ الحرب العالمية، فقد تمّ حجبها في مفوّضية الشؤون الداخلية في موسكو.

في يوميات الكاتب الانكليزي، مذكّرة كاملة تتحدّث عن حياتهُ في المغرب، ومن هذهِ اليوميات اقتبسَ روايته "الخروج إلى المتنفّس". وقد تحدّثَ أورويل عن الحياة العادية للناس الفقراء والمغاربة والاسبان والفرنسيين، وعن الطقس والأجواء العامة والليالي وحياتهِ وتنقلاته ومن التقى بهم، كما قامَ أيضًا برسم الكثير من اللوحات التبسيطية لشرح طريقة عمل الناس أو ركوبهم الحمير وما إليه.

أمّا المذكرات التي ملأت دفتي الكتاب، هي اليوميات العشوائية لأورويل في انكلترا، حيثُ تكونُ في الكثير من الأحيان خاليةً من الاثارة، ولكن بعضها التي يلي الحروب أو يسبقها تقومُ على أساس قياس نبض الشارع والناس من حوله. كما يضيفُ في هذهِ اليوميات العشوائية الأمكنة التي زارها ومالذي لاحظهُ فيها، وكذلكَ أنواع الطعام الذي يشتهي أو يريدُ طهيهُ أو حتى الكتاب الذي لا يفارقهُ حتى ينهيه. ورغمَ أنّ هذهِ اليوميات تعتبر دونَ فائدة للأكاديميين والمختصين بأدب أورويل أو تلكَ الفترة في حياتهِ، الاّ أنها في ذاتِ الوقت، تعتبر يوميات جميلة يمكن لمحبي الكاتب (الذي لا يُعرفُ الكثير عن حياته الشخصية) أن يتعرّفوا على هذا الكاتب كإنسان وما يحبّهُ من الأشياء الروتينية في الحياة وما يودّ القيام بهِ في أوقاتَ فراغه أو لحظة جوعه، خاصةً انّهُ عاشَ فقيرًا معظمَ سنواتَ عمرهِ.

انتهت يوميات جورج أوريل في أبريل 1949، ولكن يعلّل المحرّر أنّهُ لا بدّ من وجودَ يوميات أخرى مفقودةً، خاصةً أنّ أورويل الذي كتبَ أخر يومياته في الكتاب في أبريل، من إحدى مستشفيات لندن، ولكن في سبتمبر من ذات العام، خرجَ من المشفى وتزوّج وقامَ ببعض الرحلات برفقة زوجتهِ، قبلَ أن يموتُ دونَ قضاء ستّة أشهر، مرتاحًا برفقة يدِ زوجتهِ وهي تمسحُ على جبينهُ المتعب.

---

تمّ أخيرًا افتتاح مدوّنة جوروج أوريل.. وهذهِ المدوّنة يومية، يضعُ فيها العاملين يوميات جورج أوريل حسبَ تاريخ اليوم والشهر من الأعوام التي عاشها، مطابقةً ليومنا.. مثال لذلك: اليوم 7 / ديسمبر / 2009، وفي مدوّنة جورج أورويل، تقتبس يومياتهُ فتوضع اليوم 7 / ديسمبر / 193... أي في مثل هذا اليوم، قبلَ سبعينَ عامًا... للتعرّف على المدوّنة، بإمكانكم زيارتها على الرابط التالي: جورج أورويل.

تعليقات

‏قال غير معرف…
تقديم رائع
أحسنت

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التاريخ السري: مقتطف من مقال طويل

أحلام ومؤخرة الحمار

معمّر مات